الوحيدة التي صمدت *أو تكاد تكون المستمرة* منذ بداياتها في ثمانينيات القرن العشرين حتى الآن مبدعة في الشعر السعودي، وصحافية محترفة، ومحاضرة نشطة، ومنقولة شعرياً إلى أكثر من لغة أنجلوفونية وفرنكوفونية. انطلقت منذ عام 1983 تكتب شعرها ومقالاتها. وأصدرت أول دواوينها عام 1993، وعملت في أكثر من إذاعة خليجية، وقد حاضرت عن المرأة في الصحافة والأدب السعودي والإعلام الجديد كما شاركت في مهرجانات شعرية عربية وأوروبية بالإضافة إلى أنها مهتمة وتتدرب في مجال حقوق الإنسان. مستعدة لمواجهة أية عواقب تثيرها سيرتي الجديدة وأما الأعمال الشعرية فهي : الظل إلى أعلى(1993)،لهفة جديدة(2003)،بلا طيره ألمي(2011). ونقلت إلى الإنجليزية –الإسبانية :سهرت إلى قدري (2006)، وصدرت مختارات من دواوينها بالانجليزية:ريشة لا تطير (2008)، والفرنسية: امرأة لم تكن(2008)، والإسبانية: بحيرة وجهي(2008)، وإلى الإيطالية قريباً. تقدم في ختام هذا العام، مواكبة لمعرض بيروت الدولي للكتاب (2*16 ديسمبر) أول كتبها غير الشعرية، وهو سيرة ثقافية "أشق البرقع أرى" (جداول*2011)، وهو موضوع هذا الحوار. * هل " أشق البرقع أرى" نصنفه ضمن أدب السيرة كالاعترافات الشخصية أو مذكرات مرحلة؟ - هذه السيرة لم تقل كل ما لديها. بل بعضه المهم كما أنها اعترافات فاجأت ذاتي بها قبل المتلقي، وعلى نحو ذلك فهي بعض اعترافات، وبعض مذكرات لأكثر من مرحلة حياتية . يمثل الكتاب حالة فريدة في أدب السيرة المتخصصة ثقافياً بقلم مثقفة عربية فهو يذكرنا بسيرة نزار قباني " قصتي مع الشعر"(1973)، ويوسف الخال "دفاتر الأيام"(1986)، وأدونيس " ها أنت أيها الوقت " (1993)، ويعد تحولاً بعد سيرة "مذكراتي في سجن النساء"(1983) لنوال السعداوي، و"رحلة جبلية* رحلة صعبة"(1985) لفدوى طوقان. ما الجديد الذي قدمته فيها؟ ربما بالغت في وصف ما خربشته بما أبدعه أولئك الرواد ، دعني أوضح أمراً : ربما تغلبت بقدرتي في مجاهدة ذاتي على القول وهي محاولة تشجيعها على مضاعفة كم الجرأة التي تتحدث بها ، ذلك ما يمكن ان ينطوي من تعبيرك الذي قصدته في مفهوم (الجديد)، ربما بدا الجديد في زعمي بنجاحي في محاولة إقناع ذاتي على مواصلة الكتابة والاستمرار والبوح بواقعية إلى حد كبير. وكذلك حين أقع بين مواجهة ذاتي بقلمي وبين اضطراري الى تحليل بعض مواقفي ووجعي بذلك. وربما كان الجديد هو قراري بأن أكون ما كتبت دون رتوش واستعدادي لمواجهة أي عواقب تلحق بي مع أي طرف كان . ربما تمثل الجديد فيما كتبت عن تجربتي السابقة في الزواج كمشروع بين مثقفين لحق به الفشل. ربما مذكراتي الشخصية وقيمتها لي إبداعياً ومعنوياً، كتابتي عن بعض ردود الفعل العائلية من الكتابة والنشر من ذلك كله خرجت بنتيجة أنني استطعت معالجة بعض أزماتي الخاصة وهذا كاف بالنسبة لي. * نشر كتبك تم عبر عملية انتقلت من الداخل بعد نشر كتابك الشعري الأول " الظل إلى أعلى "في دار نشر محلية مروراً بنشرك في دور نشر عربية ثم الآن دار نشر سعودية وإنما في بيروت . تجربة النشر مشوار يمكن أن تحكي أبرز المزايا والمساوئ فيه؟ - بين النشر داخلياً وخارجياً كنت أبحث عن أكثر الوسائل الثقافية تحقيقا لمنسوب قرائي وانتشار ابداعي وبدأت بها ومن هنا ليقيني بأن الوطن هو قاعدة التنوير الأولى لكاتبها وهو مساندي في تجريبي وعبثي الا أنه ثبت لي العكس فاخترت مناخاً خارجياً ربما كان ناشره استغلالياً إلى حد كبير في ترويج الكتاب وطباعته ونشره،خاصة، حين يكون المبدع سعودياً . ولاأقول أن الجميع كذلك بل معظهم كذلك . ومن التجربتين توصلت الى استنتاج هو أن المبدع لامحالة يقع فريسة بسبب إبداعه . أما دار جداول التي طبعت هذا الكتاب فغيرت تصوري عن الناشر العربي حيث كانت الأوقع أثرا في نفسي وحققت لي بعض الاسترخاء وأعادت إليَّ تفاؤلي بالناشر النبيل فجمعت بين الحسنيين الأول الطباعة من ناشر سعودي والثاني الانتشار عربياً من مسرح بيروت . فرحي كبير باحتضان ناشر مثل جداول لمؤلفي هذا. المرة الأولى التي لا يحيطني بها شعور الخشية على وليدي لأنني على يقين بأنه في قبضة يد أمينة . * بظنك هيأ ( أو سهَّل ) جيل الرائدات منذ الخمسينيات والستينيات، في الصحافة والأدب والغناء والإذاعة والتلفزيون والعمل النسوي، فرصة الظهور لجيلكن دون الدخول في صراعات ما؟ - لا أظن أن جيلنا نجا من صراعات. بل أكاد أجزم بأنه الجيل الذي وقع ضحية لألوان من الصراعات الإيديولوجية والاقتصادية والثقافية إذ كان الأكثر تضرراً من سابقيه . ولقد نجا لاحقوه . وإذا نظرت إلى جيل الستينيات وقبله فلقد انحصرت صراعاته في مواجهة المجتمع التقليدي مع أن الكتابة النسائية في بداياتها . إلا أن ذلك الجيل لم يكن مغنمة لمرحلة من التطرف الإيديولوجي في ذروة انتشاره وحربه القائمة على المنتمين إلى الإبداع ومفاهيم الحداثة وأهل الثقافة. ولم تبد حركة التأليف مخنوقة بملاحظات رقيب محدود الرؤية أو فريسة صراعات شللية لا علاقة لها بالإبداع بل بمواقف شخصية قد تغيب شمس مبدع حق وتشرق باسم لاصلة له بالإبداع سوى تلك العلاقة التي تربطه بالمسؤول الثقافي . جيلنا الأكثر تلقياً للصفعات سبقه جيل كان الأكثر جرأة ومناخه الأكثر انفتاحاً . ثم ازداد الخناق بمد التطرف الفكري في تلك المرحلة التي عاشت زهوها في عز تفتح نتاجنا الابداعي وأذبلته بسمومها لكنه لم يستسلم وإن اعتزل حتى ظهرت مسوغات دعمه وقوته وأثبت صواب منهجه. * بين الاسم المستعار والصريح تاريخ تكرَّس في الصحافة والأدب عند الكاتب والكاتبة سواء لأسباب مختلفة بينما يعبر عند الكاتبة عن ضرورة اجتماعية ( شخصية أو عائلية). كيف تخطيت ذلك؟ جيلنا الثقافي لم ينج من الصراعات، وجديدي الشعري بالإيطالية - أعتقد أن مدى القناعة بأن الطرح الفكري الواضح يتطلب أن تكون على قدر من المسؤولية في الاعتراف والتعريف بهك . لأن الاسم بوابة علنية تضيف الى المتلقي قدراً من الثقة واليقين بالكاتب وفكره . كانت تدور ببالي دائما مسألة هي: كيف أقنع بما أكتب وأنا خاضعة لقناعة المجتمع بعدم الكتابة باسمي الصريح أشعر ان تناقضا ما يغلب على الوعي ومفهوم حرية التعبير، وعلى أنني كنت في السابعة عشرة من عمري حين كتبت باسمي الصريح وجدت معارضة من الأقارب ومن ثم من عائلتي وبعض أخوتي الذكور إلا أنني تسلحت بمالدي من القناعة آنذاك واكتفيت به لأجهر بملء فمي معلنة أن المنظور الاجتماعي لن يقوى علي بل سيرضخ لي، فمن ردود فعلك يقيس المجتمع مدى ايمانك بموقفك، وكم الرغبة لديك في المواجهة الاجتماعية . لا أنكر أن المواجهة في مسألة من نوع الخروج عن التقليدي أو السائد في التربية المحافظة لذات المؤنثة مواجهة لها عواقبها المستمرة ورهاناتها إلا أن القدرة على الإمساك بالعصا من المنتصف بحيث تكون الكاتبة هي وتستطيع الإقناع بذاتها بطريقة سلمية وبتفهم هذا السياق التاريخي دون الانقياد إليه .هو حتما ما سيجعل الكاتبة المثقفة تنجح في تغيير موقف عائلتها من كتابتها باسمها الصريح بل أكثر من ذلك . ولذلك تحملت مسؤولية الاسم عقدا ونصف تقريباً حتى بدا أمر ظهوره عادياً ومألوفاً بالنسبة لعائلتي. وتحول موقف الرفض سابقاً إلى الفخر في نبرة الجيل الجديد من أبناء الاخوة والأخوات من عائلتي وبدا شبابها معتزاً بي، وأشد انسجاماً مع ذاتي وقبولاً واحتراماً لقلمي وفكري . * يمثل بعض جيلكم شعراء وشاعرات حالة الازدواج في الكتابة الشعرية بين التفعيلة وقصيدة النثر، مثل محمد الدميني وأحمد الملا، هل هو ناجم عن تأثر في آنية المشهد الثقافي أو استنفاد الخيار الشعري؟ - إذا قصدت بقولك أن النص الشعري يكتب بأساليب فنية متعددة فربما أتفق مع بعض قولك حيث أن مسألة على هذا النحو تزهق مزاج الذهنية المتلقية بين تأملها للمعنى ومحاولة تلقفها لتوازن النص الشعري بين موسيقى خارجية حيث التفعيلة وموسيقى متعمقة حيث قصيدة النثر . و تلك مرحلة ربما هدفت إلى الإيحاء للمتلقي بمهارة الشاعر وقدراته الأسلوبية، وهي رد غير مباشر على الاعتقاد بأن مدى عجز أولئك الشعراء عروضياً ما دعا بعض الشعراء إلى كتابة قصيدة النثر. إذ يحسب الشاعر ذاته أن كتابته نصه الشعري في قوالب متعدد ة دليل على تمكنه وسعة خبرته، فهو لايتفق مع تلك النظرة من استنفاد الخيار الشعري . هل تردين مسألة قطع التراكم بين الإنتاج الثقافي في مجالات الأدب والفنون إلى أسباب خارج الثقافة؟. كيف يمكن تلافيها أو التصدي لها؟ أزعم بأن الوصاية التي تمظهرت في نماذج عديدة لتتمكن من فرض هيمنتها واستشرت بسمومها في الجسد الثقافي وراحت تمارس سلطتها على النتاج الفكري والادبي والثقافي ولحق وباؤها بالمكونات الثقافية وظلت تحيط واقعه بشتى الازمات مما أورث التطرف والتشدد والقبلية وكذلك الإيديولوجيا والسياسة والاقتصاد وذلك أقحم كل مؤثرات الثقافة وأقحمتها في غير شؤونها مدعية تعزيزها بعض أدوارها بينما ادت الوصاية إلى تهديم المؤسسة الثقافية وتشتيتها. ولا أبرئ مؤسسات الثقافة وجهاتها وهي تتخذ من البيروقراطية مسلكاً تسود به فيفسح المجال لحدوث القطيعة بين الفنون الإبداعية حيث تتماهى مركزية المسؤول في استعراض سلطاتها وتكتلها ومركزيتها منغلقة على ساديتها ممعنة في الخصوصية التي أوقن بانها سرعان ما ستتهاوى حيث لاغنى لها عن شبيهاتها من الفنون الثقافية الاخرى.و لا يمكنها أن تستمر دون تواصلها بها، واستفادتها بمقوماتها، خاصة، وأن أهم اشتراطات الثقافة التواصل والمرونة والانفتاح . * لم يستمر من جيلك، كشاعرات ، سواك حيث اختفت كل من سلوى خميس ونورة المحيميد وآمال بيومي بعد ديوان واحد وتقطع كل من لطيفة قاري ولولو بقشان، برغم أن جيلاً سبقكن قليلاً لمع في جيلكن مثل فوزية أبو خالد وبديعة كشغري في ظل انسحاب خديجة العمري وغيداء المنفى. كيف ترين عوامل الاستمرار والتوقف وأسبابها بين تجربتك وتجاربهن ؟ - أعزو ذلك الى مدى تمسك المبدعة بإبداعها ومراهنتها عليه واعتبارها إياه سبباً لعيشها وواقعا لحياتها ورئة لروحها لايمكنها العيش دونها. وإيمانها المطلق بالعلاقة المصيرية التي تربط بينها وبين إبداعها هي التي تتخذها منهجا والتزاماً ومن آمنت بالكتابة واعتبرتها قدرها المتصرف بمصيرها لا حتمية تدعوها لتستقل عن روحها.من تنظر إلى الكتابة على أنها خيار مصيري لا تكسب رهانه سوى مبدعته الملتزمة. تدرك استحالة حياتها إذا فقدت رفيقتها الكتابة عدم الاستمرار دليل على مالحق بعلاقة المبدعة بابداعها من ضعف وتخاذل واهمال أدى بإبداعها الى هجرها مع الوقت. ربما أن المبدعة هي من اختارت القطيعة عن إبداعها لأنها لاتقدر على الاستمرار في اقناع المتلقي به، وهي لم تستطع إقناع ذاتها على التواصل به . ربما لم تعد بعض المبدعات بحاجة إلى الكتابة بتغير الظروف التي أحاطت بتجاربهن آنذاك أو ربما خضعت بعضهن لرغبات العائلة أو الشريك فاستغنت عنها الكتابة. دون أية مقاومة. * بعض الزيجات الثقافية بمختلف المجالات المشتركة والمختلفة إيجابية وسلبية. كيف كان انعكاس التجربة عليك كشاعرة ؟ - حين تكتشف إخفاق وعيك في اختياراته التي عوَّلت عليها وعلقت عليها كثيراً من طموحاتك واحلامك وتدرك سوء اختيارك بعد فوات الأوان تصبح أشد بأساً وأكثر بؤساً . وأنت تصر على مواصلة دورك الإصلاحي سنوات دون جدوى فتندم على عمر ضيعته. لا أرجع سبب فشلي في تجربة الزواج إلى مسالة ثقافية فهناك مثقفون نجحوا في علاقاتهم الزواجية، ربما عجز المثقف أن يكون نموذجا لما يؤمن به من قيم ويعمل بها واقعياً وقد يضطره تناقضه وازدواجيته بين شخصية يظهر بها للمجتمع وأخرى يظهر بها في محيطه العائلي الخاص أن يستصغر ذاته وسلوكه، ويصبح على قدر من العدائية في إلقاء اللوم على الشريك والفشل مؤشر على إن الشخصية المثقفة لا تستطيع أن تكون هي وما تؤمن به واقع نموذجها السوي . * كيف شجعك زوجك على كتابة الشعر الشعبي ( بالعامية). لما لم تجمعي هذه النصوص في كتاب إن أمكن عددها؟ وهل من تجارب أحببتها في الشعر العامي على مستوى المحلي والعربي ؟ - دفعني حبي الكبير له على بذل كل الأسباب التي تقربني إليه واحدها الشعر العامي الذي كتبته بقدرة جيدة الا انني لم أستمر في الكتابة حيث انني لم أجد في النص العامي ما يحفزني لأواصل مسيري فيه . وأما قراءاتي فيه فهي مستمرة كما أن هناك تجارب عربية ملفتة مثل تجربة عبد الرحمن الابنودي وأحمد فؤاد نجم في مصر، وفي لبنان طلال حيدر وسعيد عقل والأخوين رحباني وكثير . وأعشق من شعرائنا بدر بن عبدالمحسن . * الاختناق الإيديولوجي وصل ذروته في المنتصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وهي فترة البدايات لديك. ما أثره على حالة الانكفاء والصمود في إنتاج المثقف من تجربتك؟ - الواقع أن العزلة الثقافية التي وقعت. قد أحدثت نكسة وتراجعاً في حركة الشعر الحديدة لجيلنا بل وشككت في مدى قناعات براعم من الواعدين في إبداع جيلنا وإعادة النظر في جدوى الحداثة الثقافية والأدبية ومصداقية نماذج مفكريها وشخصياتهم وأورثت إحباطاً وتردداً وربما اضطر الأمر مبدعين كثر للتوقف عن الإنتاج الإبداعي بسبب شعورهم بظلم المتطرفين فكرياً الذي يجد صداه لدى المتلقي البسيط الذي ينظر إلى ذلك التطرف بتقدير كبير. ولعل ذلك الأمر هو ما استنهض في رغبة العمل في التحرير الثقافي بالإضافة إلى الكتابة التي تدعم حركة جيلنا ثقافياً من خلال دراسة الإصدارات الجديدة وعرضها وإجراء الحوارات وإعداد التقارير الصحافية وما إلى ذلك مما يسهم في التنوير بثقافة جيلنا ورؤيته الفكرية. * كيف كان وقع تعليق الداعية عوض القرني على أحد نصوصك في مقاله على المستوى العائلة والصديقات؟ - أذكر جيداً كيف واجهتني إحدى تلميذاتي في أول عام مارست فيه مهنة التدريس بما كتبه القرني حيث اضطررت إلى تبرئة نفسي. وكانت لعنة ذلك الكتاب تلحق بي أنى حللت حتى تنالني كثيراً من الشكوك والترصد في مضامين أفكاري وسلوكي وحديثي فترة حتى انزاحت بمرور الأيام وتنامي معرفتي بتلميذاتي ومعرفتهن بي، فأزال كل سواد يملا ظنونهن تجاهي. * كيف ترين تجربة العمل في الصحافة الثقافية خلال عقدين؟ - من أهم تجاربي الثقافية التي استفدت بها في اكتشاف مهارات وقدرات لا دراية لي بها دون امتهانها أن تمكنت من إجراء الحوارات، وقراءة الكتب، وعرضها، واستثمار الأحداث الثقافية، وتعزيز دور المثقفة، والتواصل مع المثقفين على اختلاف مشاربهم، واكتساب الحيادية في الكتابة الثقافية، والقدرة على التحليل، والشجاعة الأدبية والفكرية، والتمرس في الكتابة اليومية، واستحضار القلم والاحتفاظ برصيد ممتاز من العلاقة الودية بالشخصيات الفكرية والأدبية، واكتشاف اللعبة الاعلامية واختبار قدرتي على التحلي بأخلاقيات المهنة، وتحرررت من سطوة الرقيب الشخصي والنظامي إلى حد كبير وسبرت الممنوع والمسموح، وما يقال وما لا يقال. وقد استطعت تحسُّس القضايا الثقافية، ودعم المواهب الشابة، وتعرفت على خبايا العمل المهني الإعلامي، وتقنياته، وأساليبه، ومآزقه . واكتسبت لغته دون خسران لغة الأدب لأنني تعاملت معه بحذر شديد، وكنت بين حين وآخر أمنح ذاتي إجازة، وأتغيب عنه التزامات تربطني به قسراً حتى أوازن بين لغتي الإبداعية، ولغتي الإعلامية فلا افقد لغتي الأخرى بعدم حضوري فيها . وأفادني كم حذري كثيراً بأن لا تقع لغتي الإبداعية فريسة في كمين لغتي الاعلامية . * أضفت إلى الشاعرة والصحفية شخصية الباحثة والمحاضرة. ما الذي وسع من دورك الثقافي؟ وكيف صار ذلك؟ - كتبت عن ذلك الأمر في مؤلفي "أشق البرقع..أرى" حيث أنني منذ تخرجت من الجامعة تطلعت إلى مواصلة الدراسات العليا ولم تتوفر فرصة لذلك. فكان إعداد البحوث والدراسات وأوراق العمل تلك بعض من التعويض عن مالم يتحقق وهناك سبب آخر هو : أن السؤال يشكِّل ذهني ويتشكل من وبه تفكيري وإذا حضر أو استحضرته فلا يمكنني تجاوزه إلا بإيجاد إجابة منطقية له ، ربما أنني أتمتع ببعض الشجاعة الأدبية التي تجعلني أحاول، وأخلص في كل عمل أقوم به، ومن ذلك البحث فإذا شعرت بأنني لم أضف جديداً تركت الموضوع. * الوعي بالحقوق الثقافية اتضح من خلال موقفك إزاء دور المثقفة في المؤسسة والشاعرة في المنبر المشترك؟ - الوعي الحقوقي هو الأصل لكل أنواع الوعي . يدفعك الى الالتزام بقضيتك حتى تصل بها وبك إلى غايتك المرجوة الوعي الحقوقي يمكنك من الشجاعة التي يتطلبها الفكر والرأي والتعبير. لعل ماكينته تغذي كل فكرة بغذائها الصحي لتعمل لأجل تحققها. بالنسبة لي منذ صغري اكتسبت قدرة أخذ حقي، ومنافحتي لنيله، واستماتتي في التمسك به حتى أصل إلى نتيجة معه . درست "حقوق الإنسان" متدربة على كثير من حقوله وقضاياه خارج البلاد. وأفادني ذلك فكرياً وإبداعياً في الإعلان عن مطالبي كمثقفة وامرأة كذلك . ولم أتوقف عن ذلك حتى اليوم. * ماذا تمثل إليك الصداقة سواء من الوسط الثقافي أو من الحياة . حدثينا عن ذلك. - كلاهما مهم جدا بالنسبة لي لأنهما يرتبطان بإنسانيتي وحاجتي الفطرية إلى حوار وبوح ومشاركة واستشارة ومؤازرة وتخاطر، وبين الصداقة الثقافية وحاجة الكتابة والثقافة إليها وبين صداقة الحياة والتي تمثل الحقيقة والمفهوم الضمني لمعنى الصداقة أجدني أميل إلى التقليل من كم صداقاتي العامة بينما لايتوقف مد صداقاتي الثقافية ولا يحد بحدود إلا أن الجمع بين الحسنيين غالباً لا يصيبه النجاح ولا تحالفه الاستمرارية لأن الوعي مهما استنار فهو غير قادر على أن يعالج أمراض النفس ويحررها من الغيرة والحقد والحسد والشك والمكيدة والوشاية وغيرها. حيث لا تختلف نفسية المثقف عن الجاهل في شيء، ولم تكسب الثقافة المثقف قدرة يربي بها سلوك على التعامل الحضاري بمنظور بعيد عن الأنا. * بعد الشعر والصحافة والسيرة . بماذا تحلمين ؟ - أحلم بمشاريع عدة منها ما يتنفس الفضاء الالكتروني وآخر يتفحص الكتابة السوبر الافتراضية وثالث يتفحصني كما لو كنت أتنفس الفلسفة التي يربطني بها عشق قديم منذ مراهقتي الأولى حتى اليوم . ويبقى الشعر في صدارة كل تجربة إبداعية من تجاربي المقبلة وأولوياتها كذلك.حيث أنتظر صدور أنتولوجيا لي مترجمة إلى الإيطالية. ربما مع مطلع العام 2012.