(جملة لا تناسب القياس) هو عنوان الكتاب الشعري الثالث للشاعر عيد الخميسي. الكتاب الذي صدر مؤخراً عن نادي الرياض الأدبي - الرياض والمركز الثقافي العربي - بيروت جاء في 160صفحة وقد ضم مجموعتين شعريتين هما (في حالة كهذه) و(حضن ثالث)، من عناوين قصائد (في حالة كهذه): (كفاف - أمتعة - أفكار قديمة - صحبة - استسلام أعمى ليديها - انطفاء شاشة الكترونية - تقليم - في حالة كهذه - لاكتمال الجملة - قراءة كتاب جديد - أطياف - بقاء الرأس في مكانه - خديعة ناقصة - كائنات البلاط تدريبات للدخول في غرفة). يذكر ان مجموعتين شعريتين صدرتا للشاعر هما: (كنا) - 1998م عن دار الجديد - بيروت، (البوادي) - 2007م عن دار الانتشار العربي - بيروت وطوى للاعلام والنشر - لندن. وهذا الحوار مع عيد الخميسي يوضح جوانب مهمة من نظرته إلى الشعر والتلقي والمرأة والمجتمع: @ الشاعر السعودي عيد الخميسي: كيف تفرق للمتلقى بين عيد: (كنا) و(البوادي) وبين عيد (جملة لا تناسب القياس)؟ - بشكل ما لا اؤمن بالتقديمات والتوطئات وأراها غير ضرورية وتستدعي حواراً لا صلة له بالشعر - الفن. في تقديم التصورات المبدئية عن الأعمال تخل عن الأعمال ذاتها بصورة أو باخرى والارتهان لتوضيح سريع في أقل من سطر لا أظنه ممكناً هنا. انها أعمال تعيش حياتها لدى قارئ مفترض، ترتبط بتاريخ علاقة المنتج مع مكتوبه، وتاريخ القارئ مع الشعر الذي يستهلك ويقرأ. ما يمكنني الاشارة له أن (كنا) التي صدرت في العام (98م) شملت نصوصاً تمثل اشتغالاتي المبكرة ويعود تاريخ كتابة أحدثها (في المجموعة) إلى العام 96م، بينما كتبت (البوادي) في العام 2003م وبشكل ما تمثل (جملة لا تناسب القياس) المرحلة التي توسطت (كنا) و(البوادي). @ الا ترى أن عنوان مجموعتك منطقي فلسفي أكثر مما هو شاعري شعري؟ وماذا أردت لذلك المعنى من ابعاد ومضامين تشير بها إلى متلقيك؟ - عنوان الكتاب كان بشكل ما دمجاً بين أكثر من سطر شعري ورد في المجموعة. هناك (لاكتمال الجملة) و(جملة واحدة هي كل ما لدي) وهما عنوانا قصيدتين وهناك تلك ال(ثياب التي لا تناسب القياس أبداً).. هناك حضور ل(الجملة) في الكتاب ربما يكون القارئ هو الأكثر قدرة على ملاحظته. @ يلاحظ ضعف حضور الأنثى في نصوص (جملة لا تناسب القياس) على عكس مجموعتيك السابقتين كما يلاحظ أن حضورها يتجلى في نموذج أو اثنين مثاليين الأم - الحبيبة سابقاً واما الآن هناك حلم أنوثة جارحة، لماذا هذا التراكم السلبي لروح الأنثى في نصوصك ولم يكن من قبل على هذا النحو من العتمة؟ - ما يقدمه السؤال هنا هو قراءة لا يمكنني الجزم بتأكيدها أو نفيها. (النخءلة من أجلك تتنفس هواء الأعالي كي تكون في مجال النظر الطيور تحلق كي تسءنحَ لالتفاتتك، الشُّرفاتُ ابتكرتها اللهءفة الشبابيك اسءم من أسماء الشَّوق، السماء تكون صافية لأن الأزرق يريد أن يلتحفك الشمس لا تفارق سماءنا لأنها تعبير أكيد عن الدهشة النسور تقليد لانحناءة حاجبيك، الصحراء الكثيفة كلمات لم تكتمل وهي تُحاول وصفتك...) هل هذه السطور هي حلم أنوثة جارح؟.. ربما هي قراءة أحترمها. @ من وجهة نظرك هل استطاع المبدع السعودي تجاوز تأويلات علاقته التقليدية بالمرأة ابداعياً؟ وإذا كان هذا التجاوز متحققاً ابداعياً أو حتى غير متحقق، فكيف يمكن للثقافة ان تساعد المبدع المحلي على تجاوز نظرته التقليدية للمرأة وتغيير مواقفه ومعاملاته لها على صعيد الواقع اجتماعياً وفكرياً خاصة إذا كان للمبدع زوجة وبنات مثلاً؟ - يتحدث السؤال هنا عن النظرة التقليدية للمرأة وتغيير المواقف والمعاملات معها، لكنني أفضل الاشارة إلى أن ذلك النص الذي يتصدى لقراءة المرأة ككائن ومكون أساسي من مكونات هذا العالم، دون تمييز أيضاً - كون الخطاب الذي يتركز في بقعة محددة وثابتة هو خطاب غير قادر على الحركة.. النص الذي يمتلك القدرة على الحوار، التفتيت واعادة التصدير (لأن لكل منا امرأته) وبشروط الفن - الشعر.. هو ما يمكنه أن يمنح لخطاباتنا الشعرية القدرة على الحياة والتأثير، الجدارة بلحظتها. التأويلات التقليدية للعلاقة بالمرأة هي تأويلات آخذة في التقدم، متغيرة وليست مقولبة (في الحياة، خارج عالم الأدباء الكبار والمثقفين: يمكننا أن نستمع لحوارات اذاعة أم بي سي وتأويلات مستمعيها مثلا للبرهنة على ذلك). الجدير بالذكر أن هذه التأويلات سكنت ذهنية منتجي الفن - النصوص كما يبدو لي.. فتحولوا إلى مصدرين وحماة لها. @ جمعت بين أكثر من مجموعة في مجموعة - باعتبار فهارسك؟ ما غايتك من وراء هذا الجمع الرباعي لمجاميعك؟ - في الكتاب كان هناك ديوانان هما: (في حالة كهذه) ويليه (حضن ثالث).. أما الفهارس التي سبقت قصائد (حضن ثالث) فهي تصنيفات للنصوص إلى اقسام أو حزم لكنها لم تصدر على أنها مجموعات شعرية قائمة بذاتها، لم تكن هناك غاية بحد ذاتها من هذا الجمع لانه كان من الممكن لكل من المجموعتين أن تصدرا مستقلتين غير أنهما تأخرتا في ذلك. @ ألا تظن أنك ظلمت مجموعة على حساب الاخرى؟ ثم الا تعتبر ذلك نوعاً من التدخل في موقف التلقي وانت تسمي مجموعاتك الاخرى بنصوصها (ملحق: توابع وأشباه)؟ - لا أعرف ماذا يعني (الظلم) لمجموعة على حساب اخرى.. آليات النشر وطبيعته لدينا لا تترك خيارات كبيرة للشاعر في أن يحدد وبدقة كيف ومتى يصدر (كما في تجربتي)، أعول على قارئ يمكنه أن يستقبل النصوص بالكيفية التي وجدت بها ويقرأ، يبحث ويكتشف. أما ال(ملحق: توابع وأشباه) فقد أضيف إلى (في حالة كهذه) وضم سبعة نصوص فقط ولم يشمل بقية الكتاب. @ ما الذي يجمع من وجهة نظرك - كمبدع للمجموعة بين نصوص رباعيتك؟ وما الذي يفرق بينها كذلك؟ - هذا السؤال سأتركه أيضاً لقارئ الجملة. وإن كنت أشير إلى أنها لم تكن رباعية.. كما سبق وأن أوضحت ذلك. @ هل أنت ضد أن تتضمن المجموعة الابداعية نصوصاً قليلة عددياً وما علاقة عدد النصوص بموقف المتلقي والحكم العام على المجموعة الإبداعية من وجهة نظرك؟ - ما يتحكم بالأمر هو طبيعة تجربة المبدع وكيفية تناميها وتطورها، الظروف التي أدت بها إلى أن تكون على هذا النحو أو ذاك، والقيمة هي بالنهاية في الخطاب الذي تحمله وتبحث فيه. لست ضد أي أمر ولا معه، يمكنني القبول بكافة الاشكال والصور، تصفحها وقراءتها. @ كيف ترى حرية النشر بين الأندية الأدبية دون النظر لانتماء المبدع محلياً ومكانياً ومنطقته واقليميه ذلك؟ وما علاقة الثقافة وما دورها في تعزيز القدرة الواعية وتمكينها من ترسيخ ثقافة التجاوز ابداعياً لعضوية الاقليم والمكان التي ترسخها بعض المشاريع القبلية والاجتماعية الاخرى؟ وكيف ترى النتائج التي يمكن ان تترتب في ذهنية الأجيال من وراء مشاريع اجتماعية من هذا النمط إذا لم تعمل الثقافة المحلية على مناهضتها فكرياً وثقافياً؟ وما دور المبدع كنموذج يحتذى، في المساهمة وصياغة فكر جديد مناهض لذلك محليا ومرحليا؟ - هذا السؤال الطويل الذي يناور حول ما لا يود قوله مباشرة سأذهب لمواجهته ببساطة لو أتى بشكل آخر.. بهذه الصورة هو لا يتيح لي سوى أن أتحدث عن أنه من الطبيعي للكاتب - الشاعر أن ينشر في أي منبر يحترم الابداع ويقدم شروطا جيدة له أياً كان مكانه الجغرافي (إن في ساحتنا أو في أي ساحة عربية أخرى). @ - وأنت تشرف - على نشاط ثقافي الكتروني ولك مدونتك الخاصة كما لك مشاركتك من خلال مواقع ومنتديات ثقافية متعددة، بماذا أمدتك تجربة النشر الإلكتروني؟ وكيف ترى تأثيرها في دعم الابداع مقارنة بتجربة النشر الورقي؟ - أمدني النشر الإلكتروني بالكثير، هناك التعرف على تجارب شعرية رائعة لم تكن ستصلني لولا الإنترنت، هناك الوصول لآخر - قاريء . هناك الأصدقاء الذين أتبادل واياهم الكتب والكتابات والأمل. ما أحدثه الإنترنت هو امكانية التوفر للنص الشعري وبكافة مستوياته امام الباحث والمهتم والمتابع.. الهواء الشعري الأحدث سيكون متوفرا امام القاريء وهذا امر لم يكن من السهل تحققه. - يختلف تأثير النشر الالكتروني (والنتي) تبعا لاستراتيجية الفرد واستخداماته له يمكنني الاشارة الى أن تجارب شعرية جميلة قد نضجت وتطورت ادواتها من خلال منتديات الانترنت ومواقعه.. اضافة الى أن غالبية روايات (الطفرة) قد بدأت هناك. ربما اصبح واضحا توقف منابر النشر الورقي في امداد الساحة بالأسماء الجديدة وتولي الشبكة العالمية لتلك المسؤولية. @ - من وجهة نظرك - ما مدى تأثر الصحافة الثقافية الالكترونية بانتقال عدوى الشللية الثقافية التي طغت على الصحافة الورقية سابقا؟ بمعنى آخر: هل هناك شللية ثقافية الكترونيا؟ وما ملامحها التي لاحظت، وما سباقاتها؟ وكيف يمكن للمبدع المساهمة في تجاوز ما وقع فيه الورقي سابقا وعدم تسويقه الكترونيا موقفا وابداعا وحضورا؟ وما الآليات المناسبة للجيل الابداعي الكترونيا المقترحة لذلك من وجهة نظرك؟ - لن نجد في الساحات الالكترونية اشخاصا آخرين غير ما اعتدنا عليه، وبالتالي فمن الطبيعي وجود ظواهر كالشللية التي يشير لها السؤال، لكن الفضاء اللامحدود للإنترنت يقلل من أهمية ذلك، فالمنبر الذي تتسيده الأمزجة الشخصية يمكنك ككاتب ان تنتقل منه الى مكان آخر، وهكذا ليست هناك قدرة على الاقصاء والتغييب طالما كان من الممكن للسيد (جوجل) ان يصل الى نصوصك.. اما الأجيال الجديدة فهي أكثر روعة من أن اقترح لها، انهم يصنعون اقتراحاتهم دوما. - جانب آخر أود الاشارة له وهو ان اي تجربة ستنتج تعقيداتها الخاصة.. فالشللية التي يتحدث عنها السؤال ليست مأزقا كبيرا في الساحات الإلكترونية قدر مأزق الذاتوية وتضخماتها وتعددها او أسئلة تتعلق بالقيمة، التجربة، الأصالة، المصداقية.. (هذا على سبيل المثال فقط). @ يلاحظ على جملك الشعرية داخل النص - طولها - كما لو كانت متأثرة باسلوب محمود درويش - وان كانت نثرا وهو تفعيلة، وبنيس وغيرهما من رواد قصيدة النثر.. ولكنها ليست مجرد جمل بل شعر عميق جدا.. فكيف توصلت الى الفصل بين حالتي التأثر والتأثير بحيث صنعت لك خطابك الشعري الخاص؟ وكيف تمكنت من نسج جملتك الطويلة داخل النص إلى هذا الحد من الاتقان، بما تنصح الشاعر الواعد ليستطيع التمكن من جملته الى هذا الحد؟ - ليس هناك مثال جاهز للبحث في الجملة الشعرية، كل تجربة تحاول أن تقدم مقترحاتها واضافاتها وبحثها أشكر لك قراءتك بصدق. أما النصائح فهي تنبع من الذات الشاعر وتجاه ذاتها وحسب، تملك النصائح قدرة على التضليل لا اريد ان امارسها هنا الشعراء الواعدون أكثر قدرة مني على اجتراح ما يريدون وبجرأة وجمال اغبطهم عليه حقا. @ يلاحظ على نصوصك ايضا في (جملة تناسب القياس) تنوع الموضوعات على خلاف ما يحدث من سطوة لموضوع الحب والذات فحسب على نصوص شعراء قصيدة النثر فكيف توصلت الى القناعة وتحررت من اهتمامات جيلك بحيث طرقت للاموضوع بالنسبة لسواك واحييته فصار فكرة وتفكرا الى هذا الدفق الحي من الحياة والانسانية والحالة المحسوسة؟ - ربما يعود هذا التنوع في طبيعة مضامين النصوص الى طبيعة التجربة وظروف تناميها، برأيي انه من الممكن (شعرنة) اي موضوع واحالته الى بحث شعري نابع منه ومن شروط قراءته.. خاصة حينما يفتقد الشاعر تدريجيا (كما في حالتي) لشهية التصدي لقضايا خارج الشعر، وربما شهية الخروج والكتابة خارجه. أود الاشارة هنا الى مفردات وردت عرضا بالسؤال هي (جيلك) فحتى لو ترددنا قليلا واردنا تفحص ما نعنيه بمفردة: جيل.. وهو مطلب جوهري برأيي) فإنه يمكنني تجاوز ذلك على عجل والقول بان الجيل الذي اتشارك واياه بدايات التجربة واشتغالاتها (على الأقل) هو جيل لم يتوضح للقاريء بعد.. لم تحدث قراءته وتقصي اضافاته والا فإنني على يقين من وجود هذا النزوع للتنوع في قصيدة التسعينات (كمثال)، وغياب للمثال الشعري الجاهز. @ كيف تنظر الى عنوان النص وعنوان الديوان بشكل عام وأهميتهما بالنسبة اليك؟ خاصة وانك في مجموعتك هذه ملأت نصوصك بفنية عالية وطاقة ابداعية رفيعة لم تتجل في نصوص بعض الشعراء المعاصرين الذين تكررت لديهم ظاهرة اللامبالاة بالمتلقي فاتخذوا من أول جملة شعرية او من احدى كلمات نصوصهم او عبارته عنوانا لنصوصهم، بمعنى آخر: ليس هناك اشتغال على العنوان: عنوان الديوان وعناوين النصوص كيف ترى هذا الأمر وكيف تحلله. - ما يلفتني هنا هو اختلاف هذا السؤال مع سؤال سابق في هذا الحوار. لكنني اشير الى انني اطمح ان يتجاوز العنوان دور عتبة النص وحسب. - لماذا حين يقترب الشاعر السعودي من تابوه الانثى او من تابوه المجتمع تتغير لغته من الخصوصية - الخاص، الى العمومية، وما علاقة هذا التغير بالرقابة الذاتية والاجتماعية، وبالتالي، الابداعية؟ - ربما هي طبيعة الفن - الشعر في أن يحيل كل ما يلمسه ولو كان من أدق الخصوصيات الى تجربة مشاعة وعامة، واشير الى أنني اتشكك كثيرا في (الكتل الجاهزة) كمسمى (الشاعر السعودي) الذي يستدعي كنتيجة نسج هذا الشاعر لقصيدة ذات سمات خاصة يتشارك فيها مع آخرين ينتمون الى ذات الجهة، فضاء الشعر اللغوي ونزوعه الانساني هما امران جوهريان لا اظن ان بامكاننا حينما نضعهما في الحسبان ان نتحدث ببساطة ودون تفحص مكثف عن اللغة الشعرية التي تستجيب للرقابة الاجتماعية كما يطرح السؤال، ربما يصدق هذا القول على تجارب شعرية كانت أدواتها هي من يدفعها نحو هذا الاتجاه، لكن قراءة (علي بافقيه)، أو (علي العمري) أو (أحمد الملا)، (حمد الفقيه)، (سعود السويداء)، (زياد السالم)، على سبيل المثال لا الحصر ستجعلنا نضع حكاية (الرقابة) جانبا ونحن نتأمل المنجز الشعري وحسب.