بدون شك ان اهمال ارتفاع الضغط يجر المريض الى عواقب وخيمة ..... والمشكلة في رفع أهمية التوعية في هذا الموضوع تحديدا تتلخص في ان الضغط قاتل صامت بمعنى ان الاعراض لاتأتي إلا بمضاعفات متأخرة على الدماغ والكلى والقلب ...فتظهر على السطح كثرة الصداع وآلام الرقبة والجلطات الدماغيه سواء العابرة منها او الثابتة وضيقة التنفس والخفقان وفشل القلب وقصور الكلى ...ولو كان ارتفاع الضغط يصيب المريض بجلطة قلبية مباشرة لما تردد أي مريض في اخذ الدواء من اول وهلة بل والانتظام عليه ولكنها طبيعة بني ادم...النسيان والتراخي فيما ليس منه ضرر مباشر وسريع ..وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (نسي آدم فنسيت ذريته). هذا (ابراهيم) رجل في الاربعين من عمره حسن السمت طيب المحيا ابتلاه الله بارتفاع ضغط الدم قبل عشر سنوات وكان ضغطه متذبذباً (مرة طالع ومرة نازل) فلم يقتنع حقيقة ان معه ضغطاً فكان ينتظر اذا شعر بالصداع والتعب اخذ الدواء...واذا نزل الضغط ترك الدواء ....وعلى الرغم من أن أهله وبعض اصدقائه يلحون عليه في الانتظام على الدواء ومتابعة الطبيب ولكنه اغتر بصحته وشبابه وعدم شعوره بشيء..... بل كان يشكك في كثير من الاحيان ان لديه ضغطاً .....أضف على ذلك انه كان يعتقد يقينا ان الادوية سموم ضارة يجب الابتعاد عنها وتطهير الجسم منها ....بل ان ضررها اكثر بكثير من نفعها........وكان يحاول بتقليل الملح تارة وبشرب الغجر البارد تارة اخرى وبشرب اليانسون والزنجبيل في اوقات مختلفة .. وخلطات اخرى اخذها ممن يتطببون (يحلوا لهم ممارسة الطب!!) في المجالس والاستراحات .....ومضت الايام والليالي حتى دخلت برودة الشتاء الاسبوع الماضى بدأ (ابراهيم) يعاني من كحة وضيقاً في التنفس وصفيراً في الصدر...فذهب الى طبيب الصدرية الذي قال له ان لديه التهاباً في الشعب الهوائية واعطاه مضادا حيوياً ومجموعة من موسعات القصبات الهوائية... وطلب منه المراجعة بعد اسبوع........تدهورت حالة (ابراهيم ) وجاء بعد ثلاثة ايام الى الطوارئ بضيقة نفس شديدة وكان ضغطه 220 على 140 وعند فحصه وعمل اشعة الصدر تبين ان المريض لديه سوائل في الرئتين وتضخم في عضلة القلب وعند عمل الاشعة الصوتية للقلب تبين ان معدل ضخ الدم 10%(الطبيعي فوق 55%) وكانت لديه ايضا علامات جلطة حادة من ارتفاع انزيمات القلب وتغيرات في تخطيطه وبعد دخوله العناية المركزة وازالة جزء كبير من السوائل تم عمل قسطرة استكشافية لشرايين القلب وضغطه فوجد ان شراييين القلب سليمة والضغط داخل البطين الايسر في نهاية الانبساط مرتفع جدا (40ملم من الزئبق) دلالة على فشل القلب الحاد بسبب عدم التحكم بالضغط. لاغنى عن متابعة المريض لضغطه ومناقشة القراءات مع طبيبه عزيزي القارئ نستطيع ان نستنبط من قصة أخينا ابراهيم عظة وعبرة وذلك بعدة فوائد أهمها: 1.القاتل الصامت (الضغط) يجب الا يهمل لأن علاجه سهل وعدم علاجه له عواقب وخيمة على القلب والاعضاء المهمة الاخرى مثل الكلى والدماغ. 2.من أخطر انواع الضغط...هو الضغط المقنع ( MASKED HYPERTENSION ) والذي تكون قراءاته طبيعية عند الطبيب وفي العيادة وتكون مرتفعة في المنزل واثناء النوم ولذلك فإن من أوهى الحجج التي نسمعها (انا اقيس ضغطي في المستوصف والقاه دائما طبيعياً ..كيف يجيني الضغط )!! فاذا اردت ان تتأكد انه ليس لديك فراقب ضغطك ببساطة في المنزل وليس في المستوصف او المستشفى. 3. بعض المرضى يقع بين خيارين احلاهما مر ...فهو لايريد ان يبدأ دواء الضغط والانضباط عليه باقي عمره وفي نفس الوقت لايريد اهمال الضغط ومعاناة عواقبه الوخيمة .....فيقرر حلا وسطا وهو ان يأخذ حبوب الضغط عند ارتفاعه فقط ويتركها عند رجوعه الى مستواه الطبيعي ...والحقيقة التي لايريد ان يعرفها المريض انه بهذا الاسلوب يخادع نفسه لأن الضغط بطبيعته متذبذب فقياس المريض للضغط في تلك اللحظة لايعني انه سيظل باقي اليوم او باقي الشهر او السنة كذلك ولابد من بقاء الدواء في الدم فوق تركيز معين دوما ليتم الاستفاده منه في التحكم الدائم بالضغط ........واتباع الاسلوب المتقطع في اخذ الدواء يضر المريض حتى وان كان حذرا في مراقبة الضغط فقديما قالت العرب (من مأمنه يؤتى الحذر). 4.ارتفاع الضغط عندما يؤثر على القلب قد يأت بأعراض ضيقة فى التنفس وكحة وصفير في الصدر تماما كما في التهاب القصبات الهوائية وازمة الربو....ولذلك فليس كل صفير في الصدر يعني ان المريض لديه( ربو شعبي ) وانما قد يكون لديه مايسمى (ربو القلب )Cardiac asthma الذى مصدره مرض القلب وليس مرض الرئة . 5.يجب الاهتمام بقياس الضغط ومتابعته بصفة دورية – على حسب مدى خطورة الاصابة بمرض الضغط – وعدم التراخي في معالجته ومتابعته مع الطبيب المعالج ... فمعظم النار من مستصغر الشرر. 6.لايعني فشل القلب من عدم التحكم في الضغط نهاية المطاف فهناك ادوية فعالة وجديدة في التحكم بذلك الفشل ومساعدة عضلة القلب في أدائها .....وتمكن المريض من العيش حياة طبيعية باقي عمره ولكن الوقاية في هذا المجال لاتقدر بثمن مطلقا فالصحة اعظم مامن الله به على عبد من عباده فقد قال صلى الله عليه وسلم (من بات وهو آمن في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه وليلته، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) فمعافاة الابدان والمحافظة على صحتها من اعظم مايجب المحافظة عليه والدفاع عنه بالغالي والنفيس ..حفظ الله عليكم لباس الصحة .