لقد كان اللقاء مع وزير العمل مساء يوم الأحد الماضي، والذي امتد إلى أكثر من ساعتين، فرصة مناسبة للوقوف على آخر التطورات التي يعيشها سوق عملنا سواء من ناحية العرض أو من جهة الطلب. وبدون مبالغة فإن عدوى الحيوية والنشاط التي جاء بها معه معاليه إلى قاعة الاجتماع قد سرت على المشاركين الذين ناقشوا الأفكار المطروحة وأعطوها كل ما تستحقه من أهمية. ورغم أن النقاش قد تركز حول برنامج حافز وتأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية فإن الحديث قد شمل مجمل سياسات وزارة العمل. وأنا متأكد أن الأساليب الحديثة والمنهجية العلمية والإصرار من قبل الوزارة وربانها على إحداث تغير مهم في سوق العمل سوف تعطي أكلها إن شاء الله. ولكن حتى تنجح سياسات الوزارة في إحداث التغير المنشود فإن الأمر ربما يتطلب مناقشة الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. وأنا أعني هنا مستوى البطالة وضعف الاستفادة من المهارات التي تتمتع بها المرأة السعودية. ان التركة التي تحاول الوزارة حل إشكالاتها ثقيلة وليست سهلة. فهي في بعض أوجهها تراكم للسياسات الاقتصادية والثقافية الكلية التي اتبعناها خلال السنوات الماضية. فنحن منذ السبعينات كنا محكومين بعقيدة أن القطاع الخاص هو الأكثر جدوى في إدارة الاقتصاد. وهذه حقيقة لا غبار عليها ولكن ليس على مستوى الاقتصاد الكلي بل الجزئي. فالقطاع الخاص حتى يعطي نتائج ايجابية للاقتصاد الكلي يحتاج في البداية، وخصوصاً في البلدان النامية، إلى توجيه ومساندة القطاع الحكومي. وأنا أقصد بالتوجيه هنا تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاعات معينة لها أولوية اقتصادية وذلك على النحو الذي حدث في كوريا الجنوبية من خلال تجربة التشيبولز- التي قام القطاع الحكومي الكوري أثناءها باستخدام المدخرات المالية لدعم قطاع الأعمال في تطوير مشاريع صناعية محددة. فهذه التجربة الرائدة هي التي بعثت إلى الوجود شركات عالمية مهمة مثل سامسونج، هيونداي وال جي. فلو كان لدينا العديد من الشركات المماثلة فإن معضلة وزارة العمل سوف تكون أخف. فالإمكانيات المالية الضخمة للشركات الكبيرة تسمح لها بدفع مرتبات مجزية لموظفيها. وعلى هذا الأساس فإنها لن تكون مضطرة والحالة تلك لاستيراد قوة العمل الرخيصة من الخارج. هذا على جانب الطلب. أما من ناحية العرض فإنه من الواضح أن التعليم والتدريب لدينا لم يتطور حتى الآن إلى تلك المستويات التي تؤهل الخريجين للعمل في قطاع الأعمال. ولهذا يأتي برنامج حافز ليحاول أن يحل هذا الإشكال. فهذا البرنامج موجه بالدرجة الأولى، على عكس ما قد يتصوره البعض، ليس لدعم العاطلين عن العمل وإنما لمعونة الباحثين عنه في الحصول على المهارات التي تهيئهم للتوظيف في القطاع الخاص. كذلك فيما يخص عمل المرأة. فإن السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هنا هو كيف وصلنا إلى هذه المرحلة التي جعلنا معها نصف مجتمعنا شبه عاطل عن العمل؟ حقاً لماذا رضينا لأنفسنا أن يبيع رجل على أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا ملابسهن الداخلية؟ بل كيف لم نخجل من ذلك ونحن مجتمع يعرف عنه القاصي والداني أنه مجتمع محافظ؟.