اليابان دولة فتية من النواحي الصناعية والتقنية والحضارية، والإنسان الياباني إنسان يحب العمل ويتفانى فيه إلى درجة لا تصدق. ومن أجل أن نعرف سر تقدم اليابان، ينبغي علينا أن ندرس بشكل جدي التجربة اليابانية من جميع النواحي. لقد استطاعت اليابان وهي دولة قليلة الموارد الطبيعية أن تجعل من الإنسان الياباني ثروة قومية يعوضها عن الثروات الطبيعية وخاصة النفط والثروات المعدنية، ويجعلها من أقوى الدول اقتصادياً في العالم. ويعود تقدم اليابان إلى النظام وحب العمل وليس إلى ذكاء الياباني، ففي دراسة قرأتها ذكر أحد الباحثين الأمريكيين أن الياباني يتفوق في ذكائه على الآخرين. لكن مهما كان ذكاء الإنسان فليس هو المقياس الأساسي لتقدم الأمم ورقيها، حيث إن هذا الذكاء ينبغي أن يترافق مع المزيد من العمل والانضباط في النظام واحترام الوقت. ففي اليابان يعلّمون أطفالهم على النظام، حيث يقف الأطفال كل يوم في طوابير لمدة معينة تصل أحياناً إلى خمس دقائق بدون حراك. إنهم يعلّمون أطفالهم الاحترام للآخرين ويزرعون في نفوسهم حب الوطن والانتماء الشديد له. فهم يرسلون أبناءهم في قطارات تطوف بهم المدن اليابانية ليتعرفوا على وطنهم وليعشقوا كل ما فيه من تقدم وجمال وليكتشفوا ما فيه من أسرار الطبيعة والحياة والأحياء. ويأخذ الآباء أبناءهم ليزوروا المصانع ليشاهدوا على الواقع كيف استطاع العامل الياباني أن يصنع المعجزات بتفانيه وإخلاصه لعمله. لقد استطاع هذا العامل أن يحوّل الدولة الفقيرة إلى أغنى بلاد الدنيا .... إن الأطفال عندما يرون العمال وهم منكبون على آلاتهم بكل احترام وتفان سوف يتأثرون بذلك حتماً. إنهم سوف يعشقون هذه الأعمال ويصبح أملهم أن يكونوا عمالاً مدربين على الأجهزة وإداريين ناجحين لإدارة أعمال مصانعهم ومكاتبهم. العامل في اليابان يعشق عمله، ويشتري الكتب التي تتعلق بعمله وبالصناعة التي وهبها حياته. إنه يحاول أن يدرس ويحلم بكيفية مضاعفة الإنتاج وتحسينه وتطويره إلى الأفضل دائماً. إن هذا العشق الدائم للعمل وتطوير الإنتاج بالإضافة إلى الحوافز الدائمة تجعل نسبة الغياب للعامل الياباني ضئيلة جداً... إن التجربة اليابانية من أهم التجارب التي يجب أن ندرسها بعناية وأن نحاول نقلها إلى بلادنا، ينبغي أن ننقل إلى بلادنا هذا العشق للعمل والتفاني فيه، أن ننقل أيضاً هذا الانتماء للوطن والتفاني في حبه والرغبة العميقة في تقدمه وازدهاره. إننا مطالبون بأن نعلّم شبابنا العودة إلى جذورنا الإسلامية وكيف كان المسلمون ينظرون إلى العمل وحب الوطن، ويكفينا فخراً أن نعود إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لنرى أن الإسلام هو دين العمل والكفاح من أجل إعلاء كلمة الإسلام والمسلمين والإسهام في تقدم الحضارة الإنسانية. ينبغي أن نعلّم الشباب في المدارس والجامعات والمعاهد والمكاتب والمصانع والمزارع أن يحبوا عملهم، وأن لا يشعروا بأن الراتب الذي يستلمونه في نهاية كل شهر هو حق لهم تدفعه الدولة أو المؤسسة أو صاحب المكتب بدون عمل يقابله ... عندما نستطيع أن نزرع حب العمل والنظام وأن نقضي على الاستهتار واللامبالاة فإننا سنكون إن شاء الله على طريق التقدّم نحو حضارة إسلامية قوية ترهب الأعداء وتسر الأصدقاء في كل زمان ومكان ....