يرى دانييل يرقين رئيس مركز كمبريدج لأبحاث الطاقة أن وضع الاقتصاد العالمي يمثل واحدا من أهم التحديات التي تواجه أسواق الطاقة اليوم، ويعتقد أن المشكلة الرئيسية التي ستؤثر على ميزان الطلب تتمثل في الأزمة الأوروبية ومدى انتشار عدواها من عدمه إلى مناطق أخرى من العالم. ومن التحديات الأساسية التي يراها يرقين هو كيفية تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الأسواق الناشئة في الوقت الذي يجب فيه أيضاً الاهتمام بتحقيق الأهداف البيئة، كما يعتقد أن التقنيات الجديدة التي يزخر بها جانب العرض تلعب دوراً محورياً في هذا الجانب، خاصة الآثار التي تتكشف عنها ثورة إنتاج الغاز من مصادر غير تقليدية والوسائل التي تؤثر من خلالها هذه التقنيات على إنتاج النفط. آراء يرقين استعرضها في جلسة خاصة بعنوان (حصاد المزيد من الأفكار البحثية وتوقع المفاجآت) في "حوار الطاقة 2011" الذي أقامه معهد الملك عبدالله للدراسات والأبحاث البترولية والذي اختتم مؤخراً في الرياض، وتهدف الجلسة لاستكشاف مجالات أخرى محتملة لمستقبل المشاريع البحثية في المركز، واقتراح مجالات للمزيد من التحسينات أو إعادة هيكلة الأنشطة القائمة. وتعتبر الجلسة عصف ذهني لتوليد أفكار جديدة من المشاركين، لاقتراحات عالية التأثير وقراءات لنظرية "البجعة السوداء" وما يمكن تقديمه من تنبؤات تغير التوقعات التقليدية للمستقبل الطاقة، بالأخص ما يتعلق في ما بعد البترول. وحسب تصريح الرئيس المكلف لمركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية خليل الشافعي "هذا الحوار من شأنه توفير فرصة للخبراء العالميين للاجتماع والتركيز على مناقشة واستكشاف القضايا المهمة المتعلقة بالطاقة والبيئة بدءًا من مستقبل النفط والتطورات في مجال وقود النقل، مرورًا بالمياه والطاقة الشمسية، وانتهاءً بديناميكيات أسعار النفط وبرامج المحافظة على البيئة وترشيد استهلاك الطاقة، وذلك ضمن إطار مناقشات تهدف إلى تعزيز الفهم لهذه القضايا المهمة في جميع أنحاء العالم"، إلا أن حضور يرقين يعتبر الأبرز من بين 90 مشاركاً زخرت نقاشاتهم بأروقة "حوار الطاقة 2011م" فهو كاتب ومحلل رائد في مجال الطاقة يشغل حالياً منصب رئيس شركة كامبريدج لأبحاث الطاقة، والتي شارك في تأسيسها، كما أنه مؤلف للعديد من الكتب التي تناقش "الطاقة" كعنصر رئيسي يغير حدود الجغرافيا، وأجندة التاريخ، ومنحنيات الاقتصاد ومعادلات الحساب، أبرزها "الجائزة: ملحمة السعي من أجل النفط والمال والسلطة" والذي نشره في أعقاب حرب الخليج الثانية وحصل على جائزة "البوليتزر" وترجم إلى 17 لغة وآخرها كتاب "رحلة البحث: الطاقة، الأمن، تحديد العالم الحديث" والذي نشر في سبتمبر الماضي. وخلال عقدين من الزمان فصلت بين "الجائزة" و "رحلة البحث"، حيث يرى يرقين أن القوى السياسية التي عقبت "الجائزة" ذابت، وقفزت قوى اقتصادية جديدة، حيث غير انهيار الإتحاد السوفييتي ودخول الصين لاعباً اقتصاديا محورياً في الخارطة العالمية، كما أن "محادثات المناخ" والضغط بفرض ضرائب على دول النفط المنتجة، تعتبر في رأيه من التغييرات الضخمة التي دفعته للكتابة من جديد وإثارة كل الحلول لما بعد النفط ومدى كفاءة الطاقة. كتاب "رحلة البحث" يقع في 800 صفحة تقسمت على ستة أجزاء تناول الأول عالم النفط الجديد ناقش فيه عودة روسيا وحرب العراق وظهور الصين كقوة اقتصادية، والثاني عن أمن الإمدادات، والثالث عن عصر الإلكترونيات، والرابع عن المناخ والكربون، والخامس عن الطاقات الجديدة، والأخير شرح فيه الطريق نحو المستقبل. ويقول يرقين عن مستقبل إمدادات الطاقة في العالم أنه بناء على ما نعرفه تم استخراج نحو 20 في المائة من حجم البترول المتوقع استكشافه، وقد فتحت التكنولوجيا آفاقا أوسع، حيث تم استكشاف الصخر الزيتي في الولاياتالمتحدة الأميركية والذي يمكنه إضافة نحو 2 مليون برميل يومياً لإنتاج الولاياتالمتحدة الأميركية في 2020م، وفي السعودية يعتبر يرقين أن الاهتمام بإنتاج الطاقة الشمسية من الأمور المثيرة للاهتمام حيث أن من شأن تلك الخطوة أن تقلل من كمية النفط المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية، لافتا إلى أن الطلب على الطاقة سيزيد من 35-40% بعد عشرين سنة من الآن. وفي ما يتعلق بأمن الإمدادات أكد يرقين أن تحديات أمن الطاقة هي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، فيضاف إلى مخاوف الشرق الأوسط الجيواستراتيجية التقليدي، هناك الإرهاب الإلكتروني، والتطرف، وسرعة نمو الطلب من الأسواق الناشئة، والاشتباكات السياسية في عدة مناطق، وضعف خطوط الإمدادات أمام هجمات القراصنة. ويشير يرقين إلى أن تأمين الإمدادات يستكشف مواطن الضعف في نظام الطاقة لدينا وكيفية تعزيز الأمن في جميع أنحاء العالم، كما ضمن كتابه خارطة توضح ما أسماها بنقاط "الاختناق" وعددها سبع تعتبر من المواقع الحيوية التي تؤثر على إمدادات النفط والاقتصاد العالمي، حال تعرضها لأي اختراقات.