تكشف رواية "النبطي" ليوسف زيدان ، في بعض ما تكشف، رمال التاريخ التي تراكمت على جماعة الانباط، فتلاشى عنصرهم العربي القديم وبقيت آثارهم العجيبة تشير الى اي حد، بلغوا من الحضارة، والى اي مدى شاركوا في التمهيد للغزو العربي لمصر. ونكتشف ان العرب كانوا دائما جزءا اصيلا من مكونات الروح المصرية ولم يكن الاسلام الذي دخل هناك على يد العرب الا تعزيز لذلك الوجود الاصيل. وينجح زيدان مرة اخرى في ابتكار لغة تتموج بمياه الشعر، والنفس الأنثوي، فهي تجري مشافهة على لسانة امرأة قبطية علمها النبطي لغة العرب وطريقتهم الفريدة في مس المعاني. والكاتب يحتفي بالطبيعة الصحراوية والريفية ايضا في مباراة بين قوم تصارعت على ارضهم كل الحضارات والاديان في خلطة معرفية وسياسية شاملة تحت ظلال المذاهب من دون ان يعرف معظمهم مذهبه الحقيقي، واخرون نحت أجدادهم الغابرون من الجبال بيوتا ببراعة هندسية اجرت المياه في عمق الصحارى، واذهلت من أتى بعدهم .. لكن ريحهم ذهبت عندما اجتاحتهم رياح الصحراء الجديدة. في النبطي اذن يفجر زيدان ينابيع المسكوت عنه من جبال الرواية والتاريخ ، فينقر منها فجوات تصلح للتفكير جيدا بإعادة كتابة التاريخ ليس اعتمادا على المكتوب وحده بل أيضا على الشفهي الذي لا بد انه بقى بعد كل هذه السنين الطويلة مطمورا تحت رمال الاساطير، وعلى جدران الاثار الهائلة المنحوتة في الحجر.تشهد على عظمة أقوام ذهبوا بعد ان شاركوا في صناعة الصورة العامة لتاريخ البشرية على صعيد العنصر والدين، فسكت عنهم التاريخ قليلا.. لكنه لا يسكت للابد كما يبدو. وعلى الرغم من رتابة الفصل الاول، وبعض المبالغات الموضوعية في ذلك التنوع المعرفي والديني الشديد للاسرة الواحدة وغيرها من مبالغات، وبعض الاخطاء اللغوية والنحوية غير المبررة ممن يحتفي باللغة على هذا النحو الشاعري، وبعض الاخطاء المطبعية غير المبررة من قبل الناشر في طبعة ثالثة هي الطبعة التي قدر لي ان اقرأها، لكنها على اية حال رواية "معرفية" أخرى ليوسف زيدان لن تنجو كما يبدو من لعنة "عزازيل".. تحفة يوسف زيدان الروائية ذات الشهرة المدوية والاصالة والريادة أيضا. جغرافيتي الصغيرة تحتفي بألفتكم