على المستوى الوطني ، تبرز بين الفينة والأخرى ، مبادرات أهلية – تطوعية رائعة ومتميزة ، وتعكس مدى قدرة شباب الوطن على اجتراح مبادرات نوعية ومفيدة ، وتشكل إضافة حقيقية للمشهد الوطني.. نحن نعتقد أن هذه المبادرة ، تشكّل حلقة من حلقات النهضة الثقافية والأدبية التي يشهدها الوطن بكل مناطقه ومحافظاته .. لما يشكله الكتاب من موقعية متميزة ، ولما يقوم به من أدوار تثقيفية وتوعوية ، كإشاعة المعرفة وتعميم العلم ، وإنضاج الخبرات الإنسانية ولعل من آخر هذه المبادرات ، قيام مجموعة من المثقفين والأدباء الشباب أطلقوا على أنفسهم جمعية المكتبيين في القطيف على تنظيم معرض للكتاب في محافظة القطيف . والجدير بالذكر أن هذا المعرض بإشراف لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بالقطيف. إذ انبرى هؤلاء الشباب ، إلى دعوة كتاب وباحثي المحافظة إلى تقديم إنتاجهم الثقافي والأدبي ، لعرضه في معرض أطلق عليه (معرض الكتاب القطيفي) .. ومن خلال متابعتي لهذا المعرض ، ذهلت من مستوى الحضور ، وحجم اهتمام الجيل الشاب ، بالتواصل مع الكتاب والجديد الثقافي .. وأعتقد أن هذه المبادرة ، تعد علامة متميزة ، صنعها نفر من شباب الوطن لصالح الكتاب والثقافة الوطنية .. وتوضح لنا هذه المبادرة ، أن الشباب السعودي في كل الوطن بكل مناطقه ومحافظاته ، يمتلك القدرة على العطاء المتميز والمبادرة الرائعة، والأفكار النوعية ، التي لا تكرر ما هو قائم ، بل تضيف إليه من إبداعها وحيويتها وديناميتها .. لهذا فإننا أحوج ما نكون اليوم ، إلى الإنصات إلى شباب الوطن ، ودعمهم وإسنادهم وفسح المجال لهم ، للتعبير عن ذواتهم ، ولخدمة الوطن من خلال المبادرات والأفكار التي يحملونها ، ومن خلال الأولويات التي يؤمنون بها .. فشباب الوطن وعبر مبادرات أهلية عديدة في مدن المملكة المختلفة ، أبانوا عن استعدادات نفسية وعملية مذهلة ، وإن وطننا من أقصاه إلى أقصاه ، يمتلك ثروة هائلة ومذهلة وقادرة على الخدمة والعطاء ، ألا وهي ثروة الشباب .. أعود إلى معرض الكتاب الذي ضم ما يقارب (500) عنوان من إصدارات أبناء المحافظة ، وشهد إقبالا ملفتا من قبل الأهالي بجميع مستوياتهم وشرائحهم .. كما لقي منذ افتتاحه اهتمام وتجاوب المهتمين بشؤون الثقافة والأدب ، واعتنت الصحافة المحلية بالإعلان عنه والتعريف به .. وعلى هامش المعرض الذي استمر خمسة أيام ، تم تكريم أحد كتاب المحافظة المتميزين ومفكري الوطن وهو الأستاذ زكي الميلاد ،على عطائه الفكري ودوره في تأسيس وصياغة نظرية فكرية – ثقافية أطلق عليها (تعارف الحضارات) .. وهي من النظريات التي أخذت صدى طيبا لدى معاهد البحث ومفكري المنطقة العربية والإسلامية ، وعقد عنها قبل شهور ندوة في الإسكندرية برعاية مكتبة الإسكندرية وحضور المفكر زكي الميلاد .. ونحن نعتقد أن هذه المبادرة ، تشكّل حلقة من حلقات النهضة الثقافية والأدبية التي يشهدها الوطن بكل مناطقه ومحافظاته .. لما يشكله الكتاب من موقعية متميزة ، ولما يقوم به من أدوار تثقيفية وتوعوية ، كإشاعة المعرفة وتعميم العلم ، وإنضاج الخبرات الإنسانية .. وتنبع أهمية توفر المعارض بكل مستوياتها للكتاب من خلال النقاط التالية : 1- أنها قناة رئيسية ، من قنوات التعريف الثقافي والأدبي.. إذ تشكل الفترة الزمنية ، التي يقام فيه المعرض ، الفرص السانحة على جميع المستويات ، للتعريف بالحياة الثقافية والأدبية التي تموج بها الساحة الوطنية .. 2- أن المعارض تساهم بشكل جاد ، في تنمية الحياة الثقافية والأدبية في المنطقة .. إذ بسبب المعارض ، والأنشطة الثقافية والأدبية المرافقة لها ، تزداد أهمية الكتاب ، وتقترب القطاعات الاجتماعية المختلفة شيئا فشيئا ، من الهموم الثقافية والأدبية ، ويبدأ التفاعل الثقافي ، يأخذ مداه الطبيعي في الحياة الاجتماعية .. 3- أن معارض الكتاب ، هي محاولة حضارية ، لتكثيف الزمن الثقافي والفكري والأدبي ، بحيث تكون فرص الحوارات الثقافية والأدبية متوفرة على مستوى نوعي وكمي ، كما أن الكتاب الثقافي والأدبي والعلمي والفني ، يكون في متناول الجميع.. وفي غمرة الاهتمام الوطني على مختلف المستويات بالسياحة الداخلية ، والعمل على تنشيطها وتوفير بنيتها التحتية ، يأتي معرض الكتاب ، ليضيف حقلا جديدا في السياحة الوطنية ، وهي السياحة الثقافية والعلمية .. ولا نذكر جديدا, حين القول, إن العديد من الدول تعتمد في تنشيط السياحة لديها على جملة من الأنشطة الثقافية والأدبية التي تدر عليها الملايين من الدولارات.. لذلك فإننا نهيب بلجان السياحة الوطنية, والمهتمين بتنشيط السياحة الداخلية, أن يهتموا بهذا الحقل المهم, ويضيفوا إلى أنشطتهم الأنشطة الثقافية والأدبية, ويتعاملوا معها من منظار السياحة الوطنية.. حيث إننا نجد في الكثير من البلدان, أن آلاف الناس, يأتونن إلى المدن والمناطق, التي تحتضن معارض الكتاب أو المهرجانات الثقافية والأدبية, فتتحرك من جراء ذلك, كل مرافق الحياة الاقتصادية.. لذلك كله فإننا نتطلع أن يتحول هذا المعرض, إلى معرض وطني , يقام بشكل سنوي , ويُعد له إعداد متميز , حتى يؤتي ثماره وأهدافه المحددة. معارض الكتاب والأنشطة الثقافية: وحتى يكتمل بناء هذا المعرض, ويأخذ دوره وموقعه على المستوى الوطني , فهو بحاجة إلى التفكير والتخطيط والإرادة, لإضافة أنشطة ثقافية وأدبية مرافقة لمعرض الكتاب ، ونحن نرى في هذه الأنشطة الثقافية والأدبية ، رافدا أساسيا من روافد تكريس هذا المنجز الوطني الجديد .. إذ يزخر وطننا العزيز ، بالعديد من الطاقات والكفاءات الثقافية والأدبية ، التي تبحث لها عن دور تمارسه في سبيل عزة الوطن والمجتمع .. ولا شك أن الأنشطة المرافقة لمعرض الكتاب ، تعد من المواقع المهمة ، التي يمكن أن يتحمل فيها أدباؤنا مسؤوليتهم الوطنية .. الكتاب وحقل التعليم : ومن محاسن الصدف ، أن معرض الكتاب ، افتتح تقريبا بشكل متزامن وقريب ، مع عودة الطلبة إلى مدارسهم بعد عطلة عيد الأضحى المبارك .. وهذا يدفعنا إلى ضرورة إعادة النظر في علاقة مدارسنا وطلابنا بالكتاب العلمي والثقافي والأدبي .. إذ إن المؤسسات التعليمية ، هي من أولى المؤسسات والقطاعات ، التي من الضروري ، أن تعطي اهتماما خاصا بالكتاب ، لأنه يساهم في تطوير الأداء التعليمي والتربوي .. وفي إطار تفعيل علاقة مؤسساتنا التعليمية بالكتاب ، نرى من الأهمية التأكيد على الأمور التالية : - أن يكون في المدة الزمنية ، التي يعقد فيها المعرض ، أسبوعٌ للكتاب ، تحييه مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية ، بمختلف الأنشطة المرتبطة بالكتاب ودوره في رقي الأمم والشعوب .. - أن تبادر مدارسنا بإقامة جولات استطلاعية وزيارات مدرسية لمعرض الكتاب ، وبهذا يشارك الطلبة في تشجيع المبادرات الوطنية .. - أن يشارك الطلبة ، في تسيير بعض شؤون المعرض التنفيذية حتى تتبلور كفاءاتهم ، وتتوطد خبراتهم في حقل إدارة معارض الكتاب .. وصفوة القول : إننا بحاجة لأنْ ننشط علاقة القطاع الطلابي ، بالكتاب الثقافي والأدبي ، لأن في هذا التنشيط ، اقتراباً من الأهداف العليا للعملية التعليمية الوطنية .. وعلى كل حال ، من الأهمية أن تتكاثف كل الجهود ، وتشترك جميع الطاقات والجهات الوطنية ، في نجاح معرض الكتاب ، وتوفير كل أسباب التفوق والتميز لهذا المنجز الجديد .. وفي تقديرنا أن هذا المعرض كبداية ، يشكل نقطة انطلاق حقيقية وفعلية ، لبناء صرح ثقافي جديد ، يكمل حلقات النمو في ربوع وطننا العزيز .. ولا يسعنا في الأخير ، إلا أن نشد على أيدي القائمين على المعرض ، ونتمنى لهم دوام التوفيق في أعمالهم وأنشطتهم الوطنية ، ونتطلع إلى ذلك اليوم ، الذي يكون فيه هذا الوليد الجديد ، وقد أضحى معلما حضاريا ، من معالم الوطن ، وملتقى متميزا ، من ملتقيات الثقافة والأدب ..