اقشعر بدني.. وأنا أستمع إلى معلومات وأرقام صحيحة عن عدد الحجاج الفعلي هذا العام.. ونسبة من حج منهم دون تصاريح رسمية.. كما استمعت كذلك إلى الآثار السلبية المنعكسة على صحة الحجاج.. وسلامتهم نتيجة تلك المخالفة الصريحة والخطيرة أيضاً. تلك المعلومات تقول: إن عدد الحجاج الرسمي المعلن من قبل الدولة هذا العام هو "3" ملايين حاج.. منهم (1.800.000) مليون وثمانمائة ألف حاج قدموا من خارج المملكة والبقية حجوا من الداخل. أما عدد الحجاج غير النظاميين الذين وقفوا في عرفات ورموا الجمرات في منى.. وافترشوا الشوارع وملأوها بالقاذورات.. وأعاقوا حركة السير.. وشوهوا الصورة المشرفة لجهود المملكة الهائلة في خدمة الحجاج.. فإن عددهم بلغ هذا العام (1.400.000) مليون وأربعمائة ألف حاج.. أي أن عدد من حجوا بطريقة غير شرعية من داخل المملكة وأكثرهم من المقيمين في بلادنا.. ومن الوافدين إلينا للعمل.. أو الزيارة والعمرة.. يكاد يكافئ عدد المصرح لهم بالحج من الخارج بصورة رسمية.. ولكي تعرفوا مدى حجم المشكلة التي تواجهها بلادنا.. وتحتار الأجهزة المختصة أمامها.. فإن علي أن أقول إن عدد الحجاج المصريين القادمين بتأشيرات رسمية صحيحة هو (72.000) اثنان وسبعون ألف حاج.. فيما بلغ عدد الحجاج المصريين المقيمين بالمملكة والصاعدين إلى المشاعر المقدسة بدون تصريح أكثر من (160.000) مائة وستين ألف حاج.. وهذه فئة واحدة من فئات الحجاج العديدة التي تخالف تعليمات الدولة.. وتتعدى على حقوق الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم.. وتشاطرهم المكان.. وتقاسمهم الخدمة والراحة.. وتهدد سلامتهم العامة بالأوبئة المختلفة.. لأنها تفترش الطرق.. وفيها تأكل وتشرب وتتبول وترمي بالقاذورات في عرض الشارع.. وتمنع انسيابية السير.. وتتسبب في أخطار حقيقية.. وترتكب بذلك عدة محرمات في آن واحد.. فمن أين أتى هذا العدد من المخالفين.. وكيف عجزت الأجهزة الأمنية المختصة عن منعهم من التسلل إلى المشاعر..؟ ثم كيف تم رصدهم..؟ هذه الأسئلة المشروعة تتلخص الإجابة عنها- حسب المصادر المطلعة- في أنهم يأتون إلى مكةالمكرمة في وقت مبكر.. ويصعدون منها متفادين عمليات التفتيش السابقة عند مداخل مكة خلال الخمسة عشر يوماً السابقة لأداء الفريضة وبالتالي يبدأون في مضايقة الحجاج.. وتعويق الحركة.. ومضاعفة أعباء الأجهزة المعنية بتأمين السلامة العامة والخدمات الموفورة للحجاج.. أما كيف أمكن رصدهم.. فإن وجود كاميرات حرارية في منطقة الجمرات .. هو الذي كشفت عن العدد الحقيقي للحجاج.. بحيث أبان الفارق بين عدد الحجاج المصرح لهم بالحج.. ووضح العدد الفعلي للحجاج.. ويصبح الفارق بينهما هو عدد هؤلاء المخالفين.. سامحهم الله.. وهداهم.. والمؤلم حقاً.. ليس فقط في تجاهل هؤلاء المخالفين لتعليمات الحج فحسب.. وإنما في تعاطف الكثيرين منا معهم.. وربما مساعدة البعض لهم في التسلل إلى المشاعر.. أو في التستر عليهم.. أو في خدمتهم أيضاً.. مع أنهم يرتكبون بذلك أكبر المخالفات.. بحجة أنهم يؤدون فريضة إسلامية واجبة. ولاشك أن هذه الثقافة الخاطئة لدى الكثيرين تشكل أكبر عائق في السيطرة على المشكلة وفي الحد من عدد من يؤدون الفريضة بصورة متكررة بمبرر أن أداء الفريضة طاعة وأنه لا يجب أن يُحرم من يرغب في أدائها منها.. ونسوا أن الحج كفريضة هو لمرة واحدة.. وأن هذا التعاطف مع هؤلاء ليس من الدين في شيء.. كما يردد ذلك بعض خطباء وأئمة المساجد في العالم الإسلامي.. بل إنه مخالفة لتعاليم العقيدة التي توجب الطاعة لتوجيهات ولي الأمر التي تراعي مصلحة المسلمين.. وتلزم الجميع بمراعاة حقوق الغير.. ومن الواضح.. أن الإجراءات الحالية التي تتخذها الدولة.. والتي تكتفي فيها بإعادة المخالف الذي يتم اكتشاف أمره من حيث أتى لن تنهي هذه الإشكالية الكبيرة.. وأنه لابد من سن عقوبات رادعة على كل من يحج بدون ترخيص.. سواء أكان هذا الحاج مواطناً أم كان مقيماً أو وافداً، وأنه لابد وأن يتعاون المواطنون في هذا الجانب.. ولا يشجعوا أحداً على استمرار هذه المخالفة.. لأن محدودية المساحة المتاحة شرعاً توجب التنظيم.. وإلا فإنه لا المشاريع الجديدة.. ولا التوسع في خدمات القطارات السريعة.. ولا الخدمات الصحية والإنمائية المساعدة.. تستطيع أن تواجه الأعداد المتزايدة من الحجاج غير النظاميين.. صحيح أن هناك حاجة ملحة.. لمراجعة تسعيرات مكاتب ومؤسسات الطوافة لكي يتمكن ضعاف القدرة من الحج بترخيص.. وأنه لابد من القضاء على ظاهرة منح تراخيص لهذه المكاتب والمؤسسات لأعداد كبيرة تفوق حصصهم وحاجتهم الفعلية من الحجاج القادمين لحسابهم – كما يتحدث عن ذلك البعض- لكن الأكثر صحة هو .. أن تسهيل حج هؤلاء المخالفين بطرق غير مشروعة وتبرير صعودهم إلى المشاعر المقدسة.. ومساعدتهم في الوصول إليها.. هو عمل لاأخلاقي وغير مسؤول.. فضلاً عن أنه يسيء إلى البلد.. ويستنزف جهود المخلصين فيه.. ويشوه صورتنا أمام العالم.. وبالتالي فإن علينا أن نرتقي بوعينا.. ونتخلى عن عواطفنا.. وأن نقف إلى جانب سن أقسى العقوبات المطلوب فرضها على هؤلاء حتى لا تقع الكوارث بسبب تواطئنا مع هؤلاء أو تعاطفنا معهم.. أو سكوتنا عليهم بعد اليوم.،، *** ضمير مستتر **(للخيانة أكثر من صورة.. وللعبث بمقدرات البلد وصورته أكثر من خطر.. لا يجب أن نسمح بهما).