إن تلك الأبواق وهي تعلن دعمها للنظام السوري وتستعديه ضد الشعب الثائر، تؤكد أن ما دأبت على المناداة به من قيم العدالة والحرية ونضال الشعوب ليس إلا شعارات زائفة، وعبثاً تحاول إقناع الآخرين بأن هذا النظام الذي يوغل في إبادة شعبه، صادق فيما يدعيه من مقاومة لإسرائيل، ودعمٍ للقضية للفلسطينية. عندما يتهاوى عرش الطاغية - الذي لا يستطيع وحده إحكام قبضته على أعناق شعبه إلا بمساعدة عدد كبير من الأتباع والأبواق في داخل بلاده وخارجها، أتباع يسبّحون بحمده بكرة وعشيًا، ويضفون عليه الكثير من هالات القداسة والتبجيل - يأخذ هؤلاء الأتباع في تحسس رقابهم خوفًا عليها من أن تطير مع رحيل وليّ نعمتهم، ما يجعلهم أكثر تخبطًا منه نتيجة لتوتر أعصابهم، وهذا يصدق على عدد كبير من أتباع النظام السوري في لبنان من السياسيين والإعلاميين، الذين يدركون أن زوال النظام يعني زوالهم وخسارتهم على كل الأصعدة، لاسيما سقوطهم الأخلاقي الذي سيكون سقوطاً مدوياً. وقد قيل قديماً : العدو العاقل خير من الصديق الجاهل، وذلك لأن أولئك الأتباع يورطون النظام السوري في حماقات بتصريحاتهم التي يرسلونها عبر القنوات مهددين ومتوعدين بكلمات نابية تكشف عن تأزمهم النفسي والأخلاقي، ومحرضين النظام على مزيد من العنف والقتل ضد الشعب الأعزل، ويرى عدد من المحللين السياسيين بأن تلك التهديدات، التي ترسل عبر القنوات السورية وبعض اللبنانية، اتخذت أبعاداً غير متوقعة، إذ ساهم أولئك في التأجيج والتحريض ونشر الأكاذيب، واستعداء النظام على شعبه، ما ساعد في عزلته عن محيطه العربي، وعجل في اتخاذ قرارات صارمة ضده في الجامعة العربية. ولا فرق بين هؤلاء المؤجّجين سواء أكانوا أفراداً أم دولاً. ولاشك أن إيران من أكثر المتضررين من سقوط النظام السوري ؛ لأنه بوابتها التي تسللت من خلالها في غفلة من الجميع، إلى الدول العربية لزعزعة أمنها، وبث أحقادها الطائفية بين شعوبها، ولذا انهالت التهديدات الإيرانية من كل حدب وصوب لدول العالم كافة، ومن ذلك تهديد أحد قادتهم أنه في حال سقوط النظام السوري " سينتفض المسلمون جميعاً وبالتالي ستزول الولاياتالمتحدة الأميركية ويزول الكيان الصهيوني معها " ما يعني التهديد بحرب كونية يشنها المسلمون استجابة لنفير الولي الفقيه في إيران ! هذا عدا عن دعوة مستشار الزعيم الأعلى، بترك الشأن السوري للسوريين أنفسهم ! وهو ما لم يفعلوه في الدول الأخرى التي يصرون على حشر أنوفهم فيها لاسيما دولة البحرين. أما حسن نصر الله فلقد سار على نهج أسياده الصفويين ؛ عندما أعلن أن الحرب على سورية لن تبقى في سورية، بل ستعم المنطقة بأكملها. وقد جاء قرار جامعة الدول العربية ضد النظام السوري صاعقاً له، ومنذراً بأن زمن إطلاق التهديدات من داخل السراديب والأقبية ولّى إلى غير رجعة، وعليه أن يعد العدة للرحيل غير مأسوف عليه إلى حيث ألقت رحْلها أمُّ قشعمَ ! والمثير للدهشة أن تلك الأبواق تستهدف أول ما تستهدف دول الخليج العربي، وعلى رأسها بلادنا، متجاهلين المواقف الداعمة التي كانت لها مع ذلك النظام ما لا مجال لذكره هنا، وقد باتت هذه سنة لدى أولئك من باب التقرب لإيران التي تنعم عليهم بأموالها النظيفة. هذا الحقد المتأصل في نفوس بعضهم على دولنا جعل إحدى الكاتبات اللبنانيات المحسوبات على النظام السوري تتساءل في صحيفة السفير : " هل انزاح قلب العالم العربي نقطة الثقل منه إلى منطقة الخليج، وتحديداً... دول مجلس التعاون الخليجي الست؟ " وترى أن حالة الانتقال سببها " الأوضاع المضطربة التي تمر بها بلدان عربية عُرِّفت في السابق بأنها مركزية مثل مصر وغياب العراق، وأخرى منشغلة بأوضاع داخلية ثقيلة، كالجزائر" ! ولعل الحقد الذي يسيطر على أولئك، أعمى بصيرة تلك الكاتبة عن الثقل الحقيقي - وليس الشعاراتي - الذي تشكله دول الخليج العربي تاريخياً واقتصادياً وسياسياً، ولا يجحده إلا من كان في قلبه مرض. ومن هؤلاء بوق لبناني اعتاد منذ بدء الأزمة السورية على الخروج في القنوات على نحو شبه أسبوعي، وفي كل مرة يشن حملات منظمة ضد الجميع فلا يبقي ولا يذر، وكان هذا البوق حامل لواء الهجوم على بلادنا منذ مغامرة حسن حزب اللات وتسببه في شن إسرائيل الحرب على لبنان في العام 2006، وظل يواصل هجومه علينا حتى النساء السعوديات المحافظات لم يسلمن من قذارة لسانه. ذلك البوق أمسك بزمام الهجوم على الدول العربية كافة بعد القرارالذي اتخذته ضد سورية، وكان من الطبيعي أن تحظى دول الخليج العربي بأكبر نصيب من هجومه، فقال في لقاء على قناة الدنيا السورية إن " الهلال الخصيب هو نبض الأمة، أما الباقي فهم لاجئون إلى منطقتنا (هكذا) ومنهم الخليجيون الذين نراهم اليوم يجتمعون ضد النظام السوري وشعبه " ! وفي حومة حماسه للدفاع عن النظام السوري، يناشد الرئيس السوري بالنزول " إلى الشارع والدعوة لقيام الجامعة الشعبية العربية "، ولا ينسى أن يطالب العشائر في سورية بمساندة نظام الأسد جاهلاً أن تلك العشائر لها امتدادات وجذور في منطقة الخليج العربي الذي أخرجه هذا البوق من الأمة العربية. يصدق على هذا البوق قول الشاعر : إذا كان الغرابُ دليلَ قوم ٍ يمرّ بهم على جيف الكلابِ إن تلك الأبواق وهي تعلن دعمها للنظام السوري وتستعديه ضد الشعب الثائر، تؤكد أن ما دأبت على المناداة به من قيم العدالة والحرية ونضال الشعوب ليس إلا شعارات زائفة، وعبثاً تحاول إقناع الآخرين بأن هذا النظام الذي يوغل في إبادة شعبه، صادق فيما يدعيه من مقاومة لإسرائيل، ودعمٍ للقضية للفلسطينية. وقد دأب رموز النظام السوري على إطلاق تصريحات بعبارات وألفاظ نابية بحق كل العرب، كما فعل مندوبهم في الجامعة العربية بعد إعلان تعليق المشاركات السورية فيها. وفي الوقت الذي يهدد فيه رجال النظام دول الخليج العربي عامة وبلادنا خاصة، نحو قول أحدهم : " لا يظن أحد في الخليج أنه سينام آمناً في بيته وشجرة في سورية تحترق، الحرب على سوري ستشعل المنطقة كلها " ونحو قول آخر: " إن أمن دمشق من أمن مكة " ! فإن سياسيين لبنانيين لهم ارتباطات بالنظام السورى، وسقوطه يعني سقوطهم لا محالة، يدركون أن الملك عبدالله وحده القادرعلى إنقاذ بشار كما أنقذ والده من قبل في نزاعه مع أخيه، أولئك الذين كانوا رأس حربة ضد بلادنا الداعية إلى التهدئة والداعمة للقضايا اللبنانية، يأتون اليوم طالبين إنقاذ النظام السوري، فنبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني والحليف الدائم للأسد، يدعو الملك عبدالله إلى مساعدة بشار الأسد قائلا : " إنه الوحيد القادر على إنقاذ الوضع في سورية " يقول نبيه بري ذلك، وهو الذي وقف مع النظامين السوري والإيراني ضد المملكة، وشاركت ميليشياته في قتل أهل بيروتالغربية سنة 2008. وكذا فعل الجنرال عون متوسلًا إنقاذ النظام في سورية ! فسبحان مغير الأحوال، وقد كان هذان من أكثر من أعاق الجهود التي بذلتها بلادنا من أجل لبنان، بل تماديا في الانحياز المكشوف نحو ما تمليه طهرانودمشق لإفشال أي دور سعودي في لبنان. هذان يدركان أكثر من غيرهما كم عمل الملك عبدالله على دعم بشار الأسد والوقوف إلى جانبه وغض الطرف عن حماقاته، كما يعلمان تحالفه مع إيران ضد الأمة العربية، وقطع صلته بها، فمن الطبيعي أن يحصد اليوم ما زرعت يداه ! وليبكِ مثل النساء ملكاً لم يحافظ عليه مثل الرجال..