حتى لحظات كتابتي لهذا المقال وأنا أحاول استجماع قوى الكلمات والأحرف واستجديها لكي تعبّر عما يختلج في داخلي من مشاعر إزاء رحيل الوالد والقائد والمعلم سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، ففي كثير من المواقف تتعطل لغة الكلام والكتابة ولا تتحدث سوى لغة الصمت والدموع فكيف بالحال إذا كان الحدث هو رحيل شخصية فذة وهامَة شامخة شاهقة سامقة بقيمة وقامة سلطان بن عبدالعزيز ! رحل أحد أركان هذا الوطن ، السياسي المحنك والقائد العسكري .. رحل رجل الإنسانية والأعمال الخيرية الذي وهب نفسه للوطن الأرض والإنسان .. رحل صاحب الابتسامة المشرقة التي بدّدت بضوئها – بعد توفيق الله – الألم والفقر والظلم .. ترجّل الفارس عن صهوة جواده بعد عقود من مسيرة حافلة مظفرة لم تكلّ يوما بسبب المرض ولم تتوقف عند حدود الألم وجميعنا قرأ وشاهد وسمع أوامر الخير وهي تصدر لمستحقيها قبيل الرحيل المؤلم بأسابيع وربما أيام ، كثيرا ما استوقفتني مشاهد تلفزيونية لفقيدنا الغالي وهو يتحدث مع الأطفال سواء من ذوي الاحتياجات الخاصة أو غيرهم وهو يلاطفهم بأبوّته الحانية وابتسامته المعهودة ويسأل عن أحوالهم بعبارات محببة للنفس مثل : وشلونك حبيبي ، ثم نشاهد النُبل بأبهى صوره عندما يسأل كل واحد منهم قائلا : وش تامرني عليه ؟! لاحظوا العبارة وهي تصدر من الرجل الثاني في الدولة يسأل الطفل والمحتاج بصورة عامة : وش تامرني عليه ! بهذه الأخلاق النبيلة التي لا تصدر إلا عن العظماء من البشر تربّع سلطان في قلوب ابناء شعبه بل وابناء الخليج والأمتين العربية والإسلامية ومهما تقادم الزمن فلن يغيب عن الذاكرة ولسوف تحسدنا الأجيال القادمة بأننا عشنا في الوقت الذي عاش فيه سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، إن الكلمات شعرا ونثرا تقف خجلا وهي تأتي على سيرة فقيدنا الغالي فمهما قيل وسيقال سيظل قليلا في حقه ولكن لا نملك سوى الدعاء له بالمغفرة والرحمة ، وإن مما يبهج الخاطر أن مسيرة الخير التي ابتدأها سلطان القلوب سيكملها أبناؤه من بعده فأول عمل قام به الأمير خالد بن سلطان سلمه الله وأخوته الأمراء وفقهم الله هو اجتماع مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية الذي تم فيه تسمية الأمير خالد رئيسا لمجلس الأمناء خلفاً للراحل الكبير والتأكيد الجازم من الأمير خالد بن سلطان بأن أعمال الخير التي كانت موجودة في حياة الفقيد ستبقى بمشيئة الله ماضية كما لوكان حيا ، إن المهمة شاقة ولا شك ولكن عزاؤنا بأن أبو فيصل وأخوته هم نتاج مدرسة سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله ، بارك الله في الجهود وسدد الخطى ورحم الله فقيدنا الغالي. * الرياض