حين كتب باولو كويلو روايته الشهيرة (الخيميائي) لم يكن يعرف مسبقاً، أنه سيغدو معها واحدا من أكثر الروائيين انتشاراً في العالم. أيضاً، الأكثر ثراءً بسبب حجم المبيعات الضخم لرواياته. فالرواية الآنفة الذكر وحدها وصلت أحجام مبيعاتها الى أرقام لا يمكن تصورها، وبرزت باعتبارها الرواية الأكثر شعبية في عدد من البلدان تجاوزت المئة، بعدما ترجمت الى حوالي ستين لغة عالمية. يقول كويلو انه استوحى (الخيميائي) من النظر الى أهرامات الجيزة في مصر، وكتبها بناء على الرؤية الملهمة التي شحنته بها زيارته الى مصر. ووقوفه أمام الاهرامات الشاهقة من كافة الجهات، وهو يقول عن رواياته (الحاج كومبوستيلا) انها تأخرت اربعين عاما على الصدور. وأن هذا الأمر كان من حظه. يتأخر روائي في نشر عمل له، يتأخر أربعين عاماً، لا يعرف ماذا يفعل طوال أربعين عاماً، قد يتأخر مدة أطول، وقد يموت ولا ينشر الرواية. حتى الورثة من الممكن أن لا يأبهون لكتاباته التي أراق من أجلها الكثير من الوقت. يتأخر الروائي، وتأتي الرواية كأنها قادمة من الغيب. تأتي وتبقى ويبقى معها الروائي ككائن صرف بعض الوقت على مثل هذا الترف، الكتابة. الخيميائي أخذت عوالمها من مصر، جابت العالم كله كفرعون خرج من الغرفة التي حنطوه فيها بعد عدة آلاف من السنوات من موته لينشر خبراً ويستعيد رحلته مرة ثانية الى الموت، الموت الذي خذله وتركه وحيداً في العالم المعاصر. أدخله في دهاليز العالم الضيقة وأعطاه الأسرار التي تتحكم بالوجود. الناس يحبون الدهاليز، يعشقون الاقامة في الأماكن الملغزة المعتمة والكثيرة الظلام. هذا هو الشرق الذي نقله كويلو الى العالم. كافة قراء الرواية الذين اقتربوا من المئتي مليون نسمة (بيع منها ستون مليون نسخة) عرفوا الشرق مسبقاً من النظريات الاستشراقية التي صورت الشرق على مثال متخلف وداعر وبنظرة كولونيالية صافية. كويلو لم يقصد ذلك، اعتنى بالسحر الذي يكتنزه هذا الشرق. ذاك الفرعون. في القاهرة التي جاء اليها كويلو هذه المرة مكرماً. قال لقرائه الذين اجتمع بهم بأنه يفضل الحانات على المتحف، وجاءت ترجمة رئيس اتحاد الكتاب الذي كان يترجم للقراء أن الحانة هي المقهى بالمفهوم الغربي للكلمة. الحانة في مصر هي (الكاباريه) التي قصدها كويلو، وهي المكان الذي يعيد الذاكرة المصرية الى أزمنة الاستعمار وبدايات النهضة التي هي أيضا كانت رداً كولونيالياً على كولونيالية عثمانية راسخة يومذاك. والحانة هي المكان الأكثر تعبيراً عن الفساد الاجتماعي وانتهاك المبادىء الحميدة بالمفهوم المصري الشعبي والنخبوي، والأكثر تعبيراً عن سحر الشرق بمفهومه الاستشراقي. وهي في النهاية روحية مصر ومعها الشرق كله. وهذا المعنى هو ما قصده كويلو. اذ على المرء بحسب روحية قوله اذا كان يريد أن يعيش الشرق أن لا يذهب الى المتاحف التي هي حاوية لعدد هائل من الحجارة. بل الدخول الى قلب الحانة ليعيش الشرق الذي ما يزال مستمرا على نمط واحد لم يتغير.