من بين مئات مخيمات الحجيج في مشعر منى يظل مخيم حجاج ليبيا الأكثر تغيراً من الداخل والخارج قياساً بالعام الماضي، ففي الوقت الذي عادة ما تكون المخيمات صورة كربونية للسنوات القريبة الماضية ظهر المخيم الليبي الأكثر حضوراً. وعلى قارعة طريق "جوهرة العرب" استوقفنا مخيم الحجاج الليبيين بعلم الحكومة الانتقالية، حيث غاب "العلم الأخضر" للمرة الأولى منذ 42 عاماً. ملامح التغيير بدأت لنا بمجرد أن دلفنا المخيم، حيث تتناثر ابتسامات الحجاج، فيما زُين المدخل بصور خادم الحرمين الشريفين وعلم الحكومة الانتقالية. معجزة تحققت "محمد سويحني" -كبير أعضاء بعثة الحج الليبية- ألمح إلى أن قدوم الحجاج الليبيين لموسم حج هذا العام كان أشبه بالمعجزة؛ فحتى منتصف شهر ذي العقدة الماضي لم يكن هناك بارقة أمل في أن يقوم حجاج ليبيا بأداء مناسك الحج والعمرة؛ بسبب أحداث تحرير ليبيا، لكن إصرار رئيس الحكومة الانتقالية "مصطفى عبد الجليل" ساهم بجلاء في تجاوز الصعوبات، بل وإن الحكومة أمرت بأن يكون الحج لهذا العام مجاناً ل 7500 حاج وحاجة، وأن يكونوا من أسر الشهداء الذين فقدتهم ليبيا في حربها الضروس ضد نظام القذافي. وأضاف: بدأنا نسابق الزمن ونركض في كل الأرجاء بدءاً من مراجعة سفارة خادم الحرمين الشريفين في تونس للحصول على تأشيرات، وهي تبعد عن طرابلس قرابة 1000كم؛ فيما بلغت المعاناة الذروة إذا طلب منا تصحيح وضع جواز أو صورة أو طلب وثيقة. وأشار إلى أنه تم تشكيل عدة لجان في محافظات ليبيا، وبإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشهداء ومصلحة الحج والعمرة، وبدأت أعمال اختيار أسر الشهداء المرشحين لرحلة الحج. من 5500 دولار للحاج في عهد «القذافي» إلى «حج مجاني» لجميع أسر شهداء التحرير وقت قياسي وقال "شرف الدين المهدي النجار" -عضو بعثة الحج- ان تجهيز الجوازات للسفر كانت تسير بسرعة فائقة لمسابقة الوقت، خاصة وأن موعد إغلاق المطارات السعودية قد أزف، ولكن تسهيل المولى عز وجل، ثم التسهيل الكبير من قبل إدارة مطار الملك عبدالعزيز بجدة وإدارة جوازات المطار ساهم بجلاء في دخول الحجاج، من خلال حالة استنفار ثلاث طائرات سابقت الزمن لحمل الحجاج من ثلاث مطارات ليبية، فيما كان آخر فوج وصل قد سافر مطار طرابلس بعد أن استلم 3000 جواز للحجاج من سفارة المملكة في تونس من أسفل الطائرة التي تقل الحجاج المسافرين والقابعة في المطار، فيما هبطت آخر طائرة ليلة الثامن من ذي الحجة، مشيراً إلى أن البعثة تضم 350 موظفاً يشرفون على الحجاج، بينهم 25 واعظاً، و110 أطباء وطبيبات من كافة التخصصات. محمد سويحني وأضاف أن كل المؤشرات كانت تؤكد عدم حضور الحجاج الليبيين حتى أن بعثة الحج الليبية لم تنسق مع الجهات الحكومية في المملكة، مثل وزارة الحج ومؤسسة مطوفي الدول العربية، حيث لم تستأجر عمائر لإسكان الحجاج الليبيين ولم يعد أي برنامج لهم، لكن توفيق الله تعالى ساهم في تحقيق رغبة الحجاج في وقت قياسي وهو عشرة أيام فقط؛ تضمنت إعداد جداول المرشحين وترتيب إجراءات السفر، والجميل أن الحجاج سكنوا عمائر قريبة من الحرم لم نكن نتوقع السكن فيها؛ كذلك موقعهم في منى كان الأقرب في تاريخ الحج الليبي. وأشار إلى أن الرائع في هذا الحج أنه مجاني من قبل الحكومة الانتقالية تقديراً للدور المشرف للشهداء الذي ساهموا في تحرير ليبيا؛ في الوقت الذي كانت فيه أسعار الحج في عام 2009م 5500 دولار، وفي عام 2010م 5600 دولار للحاج الواحد، فيما ينعم حجاج ليبيا اليوم بحج مجاني. شرف الدين النجار عزاء وأمل الحجاج الذين قدموا التعازي في وفاة ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله - ظهروا لنا وكأنهم فراشات فرحة تتنقل بين خيام مخيم البعثة، لكن أكثرهم اتفق على أن فترة غرة رمضان إلى يوم العشرين من الشهر نفسه كانت من أعنف الفترات التي عاشها سكان العاصمة ليبيا، والتي عاشت تحت القصف ودوي المدافع في شهر الصوم. مرافقون للبعثة داخل مخيم الحج الليبي ألمحوا أن حج هذا العام يتميز بنسف الخوف والصمت المطبق الذي كان يلف مخيم الحجاج الليبيين قبل التحرير؛ فضلاً عن عزلة الحجاج عن إخوانهم الحجاج الاخرين والدعاة. ومن بين 7500 حاج ثمة قصص مؤثرة لحجاج يؤدون الحج للمرة الأولى بفضل الله، ثم بفضل الشهداء الذين مكنوهم من أداء فريضة العمر، منهم حاج فقد خمسة من أسرة واحدة، وآخر فقد شقيقه العريس في حرب تحرير طرابلس.