يطيب لي التعليق على مقال الكاتب الرياضي محمد الشيخ ( الكرة السعودية تنهار من المسؤول ؟) معتبرا المقال وجميع التعليقات الواردة على موقع الصحيفة مادة مهمة وجديرة بالقراءة والنقاش إذ أورد أرقاماً ونتائج استدل من خلالها على أنّ الكرة السعودية تنهار, وبادر بشجاعة للإفصاح عن ما يجول بخاطر الكثير من الرياضيين. الأرقام صحيحة والتفسير معقول لأن انهيار النتائج والمستوى والتصنيف مؤشر واضح على مستوى العمل والأداء. لكن لا نريد التوقف عند كلمة (تنهار) لكي لا توحي باليأس والتشاؤم, الشيء الوحيد الذي نريده منها هو استنهاض الجهد للخروج من دائرة المشكلة إلى دائرة الحل. دائرة الحل الإبداعي الجريء, لأن الوضع لا تنتشله حلول تقليدية أو مترددة. أهمية الأمر تنبع من كونه أصبح شأناً وطنياً ولم تعد الرياضة شيئاً هامشياً على الأقل لأنك في وطن كبير ومهم عالمياً على كافة الأصعدة. ولديه قدرات وإمكانات مادية ومعنوية وبشرية تؤهله لموقع أعلى بكثير من واقع تعيشه الكرة السعودية, ناهيك عن آمال المضيّ قدما انطلاقا من التفوق والتطور الذي توج بإنجازات 94 فإذا بالمركب يتراجع فلماذا نحن في مؤخرة الركب الآسيوي بينما يفترض أن نقارع عالمياً عطفاً على ما لدينا من مقومات. سوف أقدم أطروحة للتأمل من بدايات الكرة السعودية إلى ما حققه شبابنا في 94 وُجِدت مرحلة جديرة بالتناول والدراسة والاستفادة منها إلى الآن حالة عامة أنجبت نجوما حققوا لنا مكاسب ومكانة رياضية نفخر بها، إذا كان الآخرون تطوروا فهذا شأنهم ويجب ألا يضايقنا في شيء بل نسعد لتطورهم إذا كنا على قدر المسؤولية. السؤال لماذا نحن لم نتطور؟ بل تقهقرنا.. لن أتعرض هنا للجواب (لأنه يطول) بقدر ما آمل أن نتخلى عن فكرة القبول بمسألة تطور الكرة الآسيوية مخدر ينسينا ألم واقعنا المتراجع، بنظري لا يوجد شخص واحد أو أشخاص معينون هم المسؤولون الوحيدون مسؤولية مباشرة عن كل ما جرى مع الاعتراف بوجود مسؤولين عن وقوع أخطاء ساهمت في التراجع. لكن أتوقّع أنها عوامل أكثر من كونها أسباباً, ولعل من عوامل تراجع الكرة السعودية ممارسات ومكونات ثقافية خاطئة تراكمت عبر اعوام, لكن في الوقت ذاته أقول إن هناك من كان بوسعه التنبه للعديد من الممارسات التي أخّرت التقدم الكروي السعودي. في المشروعات النهضوية الجريئة والكبيرة هناك ما يمكن أن نسميه النقطة أو المساحة الأنسب في الجسم الاجتماعي ليبدأ العمل انطلاقا من عندها. والجسم الاجتماعي في موضوعنا هو الوسط الرياضي بعناصره ومكوناته وظروفه، هناك منطلق للحل والتحسين والتطوير والإنقاذ, فلو أردنا القيام بحل شامل فلن يخدمنا كثيرا تدشين إصلاحات تستهدف جميع النقاط التي طرحها المعلقون على المقال مع أنها مهمة في معظمها, لكن هناك ما يمكن أن تقوم به وسوف يسهم هو وبسهولة في معالجة الكثير من المشكلات التي تحدث عنها قراء المقال حتى بصفة آلية أحياناً ودون تدخل مباشر. وبصورة أخرى هناك خطوة مهمة قبل ومع عمليات التغيير المباشر. وبناء على ما تقدم أتمنى أن نبحث عن نقطة العمل الحقيقية التي من خلالها يجب أن ينطلق الجهد الجاد للنهوض بالكرة السعودية والتي إذا نجحنا في تناولها بالصورة اللازمة فسوف تسهم في تغيير الكثير من السلبيا، ولعل العوامل الأهم لتراجع كرة القدم السعودية هي تلك التي جرّاءها تتم عملية تنحية وتغييب المواهب الفائقة عن الظهور والبروز بينما المطلوب هو البحث عنها وتهيئة الجو الملائم لها, فالإنجاز الكروي بكل ما يحيط به من تمويل وجهد وتنظيم وتدريب وتخطيط.. هو في النهائية ما يؤديه 11 فرداً يمثلونك ويترجمون على المستطيل الأخضر خلاصة عملك وفكرك وتقدمك ومهنيتك. هذا عامل رئيسي مع عدم إغفال الأخطاء الإدارية ومشكلات الإعلام والمجاملات والمحسوبيات وغيرها، ومع الإقرار بأهمية جميع هذه النقاط, لكنك في عالم كرة القدم تعتمد بالأساس على الموهبة (اكتشافها تأهيلها تمكينها) ولن ينهض بالوضع شيءٌ أكثر من تمكين الموهبة الحقيقية وتقديم نموذج متكامل وكوكبة من المواهب المؤهلة (بدنيا ومهارياً ونفسيا وثقافياً) وبطريقة مختلفة عن الواقع الحالي في التعامل مع المواهب. عندها ستفرض الموهبة نفسها وسيبدأ التحسين والتغيير في النواحي الأخرى, وفي جميع أجزاء المنظومة الرياضية. وعندها سوف يستطيع مريدو التطوير الانعتاق من الأخطاء الشائعة, وستعجز الكثير من الممارسات غير المرغوبة وأصحابها عن البقاء في الوسط الرياضي في ظل نجاح حقيقي يجعلهم خارج فريق العمل الحضاري، ولعل هذه النظرية يمكنها تقديم إجابات وإفادات متماسكة ومقنعة حول معظم التساؤلات والتعليقات التي وردت على المقال. *صاحب فكرة المشروع الوطني لصناعة نجوم كرة القدم