هناك أخوَّة من نوع آخر.. أخوة من نوع إيماني خالص. جمعت بين الأبيض والأسود، وبين الأصفر .. والأشقر، وبين المتحدث بلغة الكتاب وبين المتحدث بلغات أخرى.. وبين غنيها.. وبين سيدها وعظيم أقوامها. وبين أبسط الناس على ظهر هذه البسيطة.. والكل يقف وقفة إنسان واحد.. وقفة خائف.. وراكع وساجد.. وقفة من جاء إلى بلد الطهر والقداسة هذه الأيام وتأهب للصعود إلى المشاعر المقدسة.. وبقلب يملؤه الإحساس بعظمة الله..وبجلال الموقف وبهيبة المكان والزمان..يقف الجميع هذه الأيام في حرم الله.. وأمام الكعبة المشرفة وفي فجاج مكةالمكرمة وقد تأهب للذهاب إلى منى والصعود إلى عرفات وإلى المرور بمزدلفة.. وإلى استقبال العيد بمنى وإلى رمي الجمرات، ثم إلى العودة إلى مكةالمكرمة طوافاً بالبيت، ووداعاً لأعظم مسيرة في التاريخ وأملاً في المغفرة والرحمة من رب السماء، وطلباً للطهارة..وتوجهاً إلى المستقبل أنقياء وأصفياء.. وموحدين ومتحدين. تجمعنا كلمة لا إله إلا الله،وتعزز روابطنا وحدة إيمانية خالصة وحب صادق ونفوس صافية ونظيفة قبل أن نعود إلى أوطاننا وقبل أن نستأنف حياتنا وقبل أن نبدأ في ممارسة أعمالنا. نقف اليوم لندعو الله ونتوسل إليه.. ونرجوه ونأمل في عفوه.. وقبوله لدعائنا.. لرجائنا.. لأملنا، في أن يتقبل منا حجتنا ..ويطهرنا من أدراننا.. وينقي أفئدتنا من كل ما علق بها.. وأصابها وخالطها.. فنحن بشر خطاءون ونحن نتجه إليه ملبين وخائفين وتائبين.. وهاربين من أنفسنا..من سقطاتنا ومن سيىء أعمالنا.. وكلنا أمل فيه ورجاء في عفوه وتطلع إلى قبوله.. فقد عظم الذنب وكبر الهم.. وتفاقمت الأخطاء ولم يعد أمامنا إلا أن نفر إليه.. ونلجأ إلى أعتابه ونرفع له أكفنا..ونسمعه خفق قلوبنا.. واضطراب صدورنا.. وتشوش عقولنا وتعثر حياتنا وليس لنا سواه ليخرجنا من هذا الهم العظيم وتلك الخطايا الجمة وذلك القصور المتناهي في أداء ما كان يجب علينا أداؤه تجاه عقيدتنا ونحو أوطاننا..وحتى نحو أنفسنا.. وأبنائنا.. فلأنت يا الله خير من نلجأ إليك.. ونهتف من أعمق أعماقنا بأننا جئناك من كل ربوع الدنيا.. نسألك الرحمة.. ونعدك بالتوبة وبالعمل الصالح.. وبالإخلاص لك فزعاً من غضبك علينا.. وامتحانك لنا في دنيانا.. وطلباً لهطول رحماتك علينا..لنعيش حياتنا داخل أوطاننا..ننعم بأمانك ونتفيأ ظلال الإيمان بك والخشية منك.. والخوف على تلك الأوطان. *** ضمير مستتر ( مهما علا الإنسان وتجبَّر.. إلا أنه يظل بحاجة إلى الله.. في لحظات الضعف الإنساني المخيف )