لم يستطع الموت أن يغيب ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله -، فالرجال الكبار في مواقفهم الإنسانية لا يمكن أن يغيبوا بفعل الموت، فالأمير سلطان كان يعني التسامح والصفح، وابتسامته تلك التي لم تفارقه أبداً حتى حينما يمرض، أو حتى حينما يعود من رحلته العلاجية، أو حتى حينما يصر على أن يتغلب على آلامه الجسدية، ليسجل في تاريخ المملكة حضوراً كبيراً وعميقاً لم يصل إلى البعد السياسي الذي عرف من خلاله بحنكته الكبيرة فيه فقط، لكنه عرف كرجل المهمات الإنسانية الأولى التي تجلت واتضحت من خلال مؤسساته الخيرية ومراكزه التي كان تسعى لحل مشكلة الفقر من جذورها بتعليم هذه الأسر ثم الارتقاء بها اجتماعياً وإنسانياً، لكنه كان يحمل بداخله قلباً يتوق دائماً إلى العفو والتسامح والسلام، اتضح ذلك بقوة في مبادراته الكبيرة لفض النزاعات القبلية والإشكاليات التي تتعلق بالديات ودفع الأموال، وبالقضايا المرتبطة بالقصاص بعتق الرقبة وفك حصار الدية تلك، ثم سعى لأن يوثق ثقافة العفو عند المقدرة بتدخله الكبير في محاولة تقارب وجهات النظر بين القبائل وتفكيك إشكالياتها على أرضية المحبة والتسامح. إن المتأمل في تعاطي ولي العهد الراحل ليدرك بما لا يقبل للشك بأنه رجل قريب من أبناء وطنه، الذي لم يشعر المواطن من خلال تلك العلاقة أبداً إلاّ وأنه الأب القريب منهم، وخير دليل على ذلك توجه الكثير من أبناء هذا الوطن له بالسؤال وطلب العون في صعوباتهم الحياتية، وكأن هناك رسائل مرتبطة ببعضها تربط هذا الرجل الكبير - غفر الله له - بشعب هذا الوطن الذي تعلم منه كيف يكون العفو والقدرة على المحبة والتسامح. اليوم لم يفقد الوطن رجلاً عادياً أبدا في تاريخ المملكة، فالخسارة كبيرة جداً أبعد من خسارة قيمة رمز من رموز تاريخ المملكة، فخسارتنا عظيمة بحجم نبل ذلك الرجل وبحجم قلبه الذي كان بحجم الوطن. تواضع وتسامح وقال "د.صالح النملة" -عضو مجلس الشورى في لجنة الشؤون الخارجية-: إنني أعزي الوطن بفقد ولي العهد سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - وأعزي أبناءه والأسرة الحاكمة في هذا الفقيد الإنسان الذي فرض حياته بأكملها من أجل خدمة الوطن وخدمة المواطن وخدمة الاستقرار وخدمة البعد عن النزاعات بين أفراد الوطن، مضيفاً: "أعزي الأمة العربية بفقد هذا الإنسان الكريم، والذي كان يتسم بعطائه السخي والكبير من ماله الخاص من أجل القضايا الإنسانية"، موضحاً أن العزاء هنا كبير لأنفسنا بفقد هذا الإنسان الذي كان دائما يتسامى على جراحه الشخصية وعلى آلامه ليقدم ما لديه، كما فقدنا ذلك السياسي الحكيم الذي كثيراً ما يظهر بصورة التواضع والتسامح في كل صغيرة وكبيرة من أبناء الوطن، حتى تحول إلى مثال يحتذى به في ذلك التواضع والتقرب إلى المواطن، مؤكداً على أن الوطن اليوم فقد ركناً من أركان الوطن المهمة التي جعلت من هذا الوطن منارة للعرب ومنارة للمسلمين ومنارة للإنسانية، مشيراً إلى أنه كان يبادرلأن يهب جميع أمواله لتكون وقفاً إنسانياً، حيث كان كثيرا ما يردد: "ليس لدي سوى بيتي وما بقي فهو ملك للمؤسسة الإنسانية للأمير سلطان بن عبد العزيز"، تلك المؤسسة التي خدمت الجميع بما فيهم المريض والمعوز وكما قدمت خدماتها للقريب والبعيد. الراحل حريص على حل المشاكل التي تعترض المواطنين سياسي محنك وأوضح "النملة" أن الوطن اليوم يقف على فقد الإنسان الحكيم والسياسي المحنك الذي تربى على مدرسة الملك عبدالعزيز، وهي المدرسة التي دعمت مفهوم التواضع وحب الآخرين وتقربه إليهم والابتسامة في وجوههم، كما ورث من الملك عبد العزيز -رحمه الله- ذلك الحزم والرأي السديد والمشورة السديدة التي كانت دائماً عونا للوطن والمواطن، كان دائماً بجانب خادم الحرمين الشريفين يعملون معه بجد وإخلاص وصمت من أجل خدمة هذا الوطن، مشيراً إلى أن المملكة حزينة اليوم؛ لأنها فقدت أحد أبنائها البررة الذي سعى لتدعيم العفو والتسامح وعلى الوطن مسؤولية الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وبأن يكون كل ما قدمه من مبادرات في العفو في ميزان حسناته، مؤكداً على أن لحضور ولي العهد الأمير سلطان -رحمه الله- الإنساني ولمبادراته بالعفو حضوراً اجتماعياً مؤثراً وكبيراً، يأتي ذلك بسبب عقليته الرزينة في سياسة الدولة، وكان عقلاً حكيماً في سياسة الدولة الداخلية والخارجية، كما كان معطاء بكل أبعاد هذه الكلمة، ومتواضعاً ويبدو ذلك من خلال مواقفه حينما كان المجلس يذهب للسلام عليه، فإنه كان - رحمه الله - يعرفهم فرداً فرداً، ويسلم على الجميع بكل حب وبكل تواضع وبكل أبوه، ذاكراً أن ذلك ما يجعله قريباً من الآخرين، فمن يقترب منه يشعر بأنه كما -الأب-، تجده حينما تحتاجه وحينما ترغب بأن تستعين بحكمته ومشورته، مبيناً أن هناك الكثير من الإعلاميين والشخصيات المتعددة التي كانوا يبدون الدهشة بما تقدمه مؤسسة الأمير سلطان الخيرية من خدمات إنسانية وطبية، فتركيزه على تعزيز ثقافة التسامح والعفو وبذل الأموال الكبيرة على ذلك تأخذ بعدين مهمين الأول بعد ديني فعتق الرقبة شيء عظيم وكبير في الإسلام وهو ما كان يحب أن يتقرب به إلى الله، أما البعد الآخر فيتعلق بحبه لأبنائه وطنه والذي كان -رحمه الله- يحرص دائماً على أن يخلق حالة من الحب والتسامح بين أبناء الوطن، وذلك ما كان يؤمن به بأن يكون هناك ارتباط من ذلك النوع بين القيادة وبين المجتمع وبالتالي تخلق دولة قوية ومستقلة. سموه لدى افتتاحه جمعية المعوقين في الرياض مبادرات متنوعة وقال "بدر بن حمد الحقيل" -عضو مجلس الشورى للشؤون الخارجية-: إن الفاجعة كبيرة في فقد ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- فهو رجل المهام الأول والإدارة، فقد رافق المملكة في كل مراحلها منذ أيام تأسيسها على يد الملك عبد العزيز حتى الملك سعود ثم الملك فيصل حتى كان هو الرجل الذي تناط به المهام والمسؤوليات الصعبة، فرافق كل التنظيم والإدارة في المملكة، فالمهام الحيوية هو من حركها ورعاها، فأثبت جدارته فيما تولى، مشيراً إلى أن تلك الصفات العميقة والهامة في شخصيته خلقت منه مدرسة في التسامح والعفو عند المقدرة ومع من قصد بابه، فهو لا يمكن أن يرد من يحتاجه فيبذل جميع ماله لذلك العون، فجميع مؤسساته الكبرى خير شاهد على ذلك كمدينة الأمير سلطان، وجامعة الأمير سلطان وغيرها من المؤسسات الإنسانية، إلاّ أن تلك الثقافة الكبيرة المتعلقة بالتسامح لم تقتصر على الداخل فقط بل امتدت لتصل إلى الخارج أيضاً، متحدثاً عن مواقفه الكبيرة في دفع الديات في المناطق الوسطى والجنوبية، أو شراء الكثير من المساكن للأيتام والفقراء والأرامل والمحاويج لمن قصده، مستشهداً على مبادرته الكبيرة ذات يوم حينما تلقى اتصالاً في منتصف الليل لطلب المساعدة فلبى تلك الاحتياج فوراً، وبادر بالمساعدة في ذلك الوقت دون تأخر سواء كان داخلياً أو خارجياً، وهو بذلك إنما كان يقصد تعميق سائل التسامح والمحبة والمساعدة وبذل ما يملك لتوثيق تلك الثقافة من خلال مواقفه التي كبرت في شخصيته من خلال مرافقته للملك سعود والملك فيصل والملك فهد في جميع مهام المملكة، والتي كان يتخللها مبادرات متنوعة كمبادرة السلام وحل الكثير من القضايا العربية، متحدثاً عن أهم الملامح الشخصية التي يتصف بها: حيث كان متسامحاً، متفانيا في فعل الخير، والاهتمام بمشاكل المواطنين، والمبادرة السريعة في الرد على من يطلب منه أمراً ما سواء سياسياً أو إدارياً أو اجتماعياً، فهو شخصية بعيدة عن "البيروقراطية"، والتي لم تكن تعرف طريقها إليه، فمبادراته كبيرة، حتى تحول إلى علامة بارزة في تاريخ المملكة العربية السعودية بسبب تلك الشخصية المميزة. الفقيد يقبل طفلة يتيمة خلال استقبال منسوبي جمعية الأيتام ..وهنا يستقبل مالك العيسى الذي تلقى العلاج على نفقته الأمير سلطان يستعد لاستقبال المواطنين ويستمع لاحتياجات المواطنين خلال زيارته للمنطقة الشرقية الأمير سلطان مستقبلاً أعضاء مجالس الغرف التجارية والصناعية