بين السابع عشر من فبراير والعشرين من أكتوبر من العام 2011م انتهت فترة حكم معمر القذافي في ليبيا بعد أكثر من أربعين عاما وثبت فعليا أن نظريات الثورات العربية أو ما يمكن تسميته الاشتراكية العربية في نسختها الأولى تفشل تدريجيا بمشهد درامي يظهر القذافي مضرجا بدمائه ويمسك به مجموعة الثوار في مشهد من مشاهد الحلقة الخيرة من مسلسل دكتاتوري دامت حلقاته أربعين عاما ثم يتم إنهاء حياته بطريقة محتملة لطبيعة الشعب الليبي الثائر وما تلقاها من فلسفات نظرية حاكمه القذافي خلال العقود الماضية، الثوار ليسوا جيشا نظاميا يمكن أن يتم التحكم بتصرفاتهم فلذلك اقتيد القذافي في مشهد كله مليء بالدماء لأنه ما بني على الدماء فسوف ينتج دماء. بين السابع عشر من فبراير والعشرين من أكتوبر من العام 2011م انتهت فترة حكم معمر القذافي في ليبيا بعد أكثر من أربعين عاما وثبت فعليا أن نظريات الثورات العربية أو ما يمكن تسميته الاشتراكية العربية في نسختها الأولى تفشل تدريجيا ويثبت عمليا أن تلك الثورات لم تكن في صالح الشعوب العربية بل تحولت معظم تلك الثورات إلى نموذج مرعب. نحن اليوم نشهد سقوط الرئيس العربي الثالث في النسخة الثانية من الثورات العربية ممن كانوا نتيجة لهذه الثورات أو هم من قام بها وكما يبدو هناك آخرون في طريقهم إلى نفس النهاية، فهؤلاء جميعا هم من تبنوا الاشتراكية العربية التي ولدت معها دكتاتوريات العرب مثل صدام حسين والقذافي وغيرهم. في النسخة الثانية للثورات العربية يبرز سؤال مهم حول المسار الذي سوف تسلكه تلك الثورات العربية وهل سوف يستبدل مصطلح الاشتراكية العربية بالديمقراطية العربية وما مدى تحقق هذا المصطلح على الواقع..؟. ولكن قبل ذلك يجب الإشارة إلى أن العالم العربي الذي اجتاحت بعض أجزائه الثورات العربية في النسخة الأولى قد انقسم إلى قسمين تاريخيا فهناك قيادات عربية وملوك عرب يجب أن يستعيد التاريخ أمجادهم وحكمتهم عندما أعلنوا حقيقة موقفهم وتوقعوا هذه النتيجة لتلك الثورات وتلك الفلسفات السياسية القائمة على منهج ما يسمى بالاشتراكية العربية. كثير من الملوك والقيادات العربية ومنذ زمن بعيد ومنذ النسخة الأولى للثورات العربية كان موقفهم واضحا بل كانوا مدركين لتلك النتيجة للثورات العربية وقد هوجم الكثير من الملوك والرؤساء العقلاء في العالم العربي عندما تبنوا موقفا مضادا لتلك الثورات العربية في نسختها الأولى قبل أكثر من أربعة عقود. الربيع العربي كما يسمونه اليوم هو ذات الربيع العربي الذي مر قبل أكثر من أربعين عاما من اليوم ولكنه في نسخته الأولى أنتج دكتاتورية وتسلطا نشاهد آثارها اليوم ودمويتها فهل سيئول الربيع العربي الجديد إلى نفس المسار وهل ستتوقف عجلة الاشتراكية العربية وتستبدل بالاشتراكية الإسلامية..؟، كل ما يخشاها المراقبون اليوم هو أن نأتي بعد عقود قليلة من الزمن لنجد الشعوب العربية تلاحق دكتاتورا جديدا وترمي جثته مرة اخرى. الربيع العربي مصطلح يستخدم اليوم لوصف الحالة القائمة على الأرض وهي تعني وصف المشهد الذي ينتهي بإزالة الرئيس وأعوانه، لذلك لابد من الإدراك أن الربيع العربي ليس هو المشهد الديمقراطي كما يتوقعه الكثيرون فالمشهد السياسي القادم في الدول العربية التي تجتاحها الثورات لن تظهر ملامحه بشكل دقيقي قبل عقد من الزمن على اقل تقدير. الصيغة الأولى من الثورات العربية أو ما يسمى الاشتراكيات العربية لم تكن سوى صيغة من الحكم المطلق تأثرت بالأجواء السياسية القائمة في ذلك الزمان فكانت المعادلة السياسية عالميا لها طرفان فقط اليمين الرأسمالي أو اليسار الاشتراكي، اليوم تغيب الاشتراكية بيسارها الأحمر وتستبدل بالديمقراطية المصطلح الأكثر شيوعا للتعبير عن العدالة والمساواة ولكن مصطلح الإسلاميين والاسلاموية يحضر بقوة في العالم العربي لملء الفراغ الذي تتركه الاشتراكية العربية فهل ما يحتاجه العرب هو الثورات فقط أم الفلسفة السياسية لما بعد الثورة. هناك شكوك كبرى حول الصيغة القادمة وكيف ستتشكل المرحلة القادمة في العالم العربي وكيف ستساهم الثورات العربية في إعادة موازين القوى في المنطقة فعلى سبيل المثال تصعد دول الخليج وهي الأكثر استقرارا في المنطقة العربية بسبب عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية هذا الصعود سيغير موقع هذه الدول وخاصة أنها تجتمع تحت قبة مجلس التعاون المؤسسة السياسية العربية الأكثر فاعلية في قراراتها واتجاهاتها حيث يندر الاختلاف بين دول المجلس حول المواقف السياسية المحلية والدولية. على الجانب الاجتماعي تشير النتائج إلى أن الطائفية لن تصعد إلى موقع أكثر مما وصلت إليه في دول مجلس التعاون وأكاد اجزم وفقا لمعطيات سياسية ومحاولات تأجيج الطائفية في المنطقة أن تنحسر الطائفية في الخليج مع الصعود الاقتصادي المتسارع لدول الخليج في ضل انشغال دول الثورات العربية في تعديل أوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وخصوصا مع تزايد الضغط العالمي على ايران. التوازي بين السياسة والمجتمعات العربية التي سادتها الدكتاتوريات هو الحلقة المفقودة في معادلة الاشتراكية العربية فالدوائر الثلاث (السياسية ، المجتمع ، الاقتصاد) لم تكن متوازنة في الحقب العربية الماضية ولذلك عندما تتضخم إحدى هذه الدوائر على حساب الأخرى تتحول إلى ورم غير حميد مما يستعدي استئصاله وهذا ما تفعله الشعوب العربية الثائرة اليوم فالدائرة السياسية التي قامت على التسلط والدكتاتورية في بعض البلدان العربية تضخمت إلى درجة عجزت الدوائر الأخرى عن تحمل وزنها الزائد فوقها لذلك كانت الثورات العربية بهذه الصيغة. اليوم يعلن العرب فشل الاشتراكيات العربية التي تبنتها النسخة الأولى من الثورات العربية وعلى الجانب الآخر يثبت التاريخ أن الاستقرار والتغيير المتدرج هو السمة الأفضل لسياسيات العالم العربي، ولكن يجب الإشارة إلى أن الدول التي اجتاحتها الثورات العربية لم تكن يوما تملك الحد الأدنى من التوازن والاستقرار في منهجياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لذلك كان لابد من سقوطها مرة أخرى. لقد أصبحت تلك الشعوب مسرحا للسخرية والهرطقة من قياداتها فعلى سبيل المثال يتصور القذافي نفسه فيلسوفا ويقدم نفسه على انه مفكر عبر نظريته التي سطرها في الكتاب الأخضر ذلك الكتاب الذي يعكس حجم الأمية التي يعيشها، لذلك لم يكن أمام الشعب الليبي سوى أن يعلن المواجهة مع القذافي ليموت ليس بطعم الموت المعتاد ولكن موت بطعم نظريته الثالثة كما يسميها لذلك أقترح أن يكتب على قبر القذافي هذه العبارة وهي من كتابه الأخضر حيث يقول القذافي "إذا كانت أداة الحكم دكتاتورية..، فإن يقظة المجتمع للانحراف عن الشريعة ليس لها وسيلة للتعبير وتقويم الانحراف إلا العنف، أي الثورة على أداة الحكم".