ثالث الطغاة قتل بسلاح أحد الفئران، سقوط القذافي بدأ من حصار سرت وبنهايته انتهت أسطورة أحد مجانين السلطة في العالم الذي اعتقد أنه فريد في شخصه وأفكاره وزعامته، تطاول على القرآن الكريم، أراد قيادة العرب، ولما وجد نفسه معزولاً اتجه لأفريقيا ليكون ملك ملوكها، لبس النياشين وأزياء باريس وروما ثم بدلها بألبسة أفريقيا، تحركه غرائزه، يغيب في خيمته العديد من الأيام بحراسة الفتيات اللواتي انتقاهن، خرج للعالم بكتابه الأخضر الذي فرضه دستوراً على الشعب الليبي، تحدى القوى الكبرى فهزمته جارته تشاد الفقيرة المعدمة وعند سقوط صدام حسين، سلم مفاتيح قوته للغرب لتفكيك مفاعله النووي وفرض تعويضات لجريمة (لوكربي) والسجل طويل للشذوذ العقلي لمن حكم بلده أكثر من أربعة عقود.. ليبيا تحررت من طاغيتها، لكن المخاوف تبقى قائمة أي أن من قادوا الثورة بتوحيد صفوف الشعب باجتماع تام على انتصار القيم الوطنية والحصول على الحرية، هم في بداية السباق، مع التحديات المقبلة، وحتى لا تعود انقسامات العراق والسودان، والصومال، الليبيون مطالبون بوعي ما بعد القذافي أي أن الإصرار على الوحدة الوطنية المطلب الأساسي لشعب لا يتجاوز تعداد سكانه ستة ملايين على مساحة كبيرة تصل إلى ثمانمائة ألف كيلو متر مربع، وثروات هائلة ولليبيا تاريخ طويل في الصراعات القديمة والحديثة، إذ شكلت نموذجاً للغزوات من الفينيقيين، والإغريق والرومان إلى فترة الخلافة الإسلامية، ومع ذلك فشواهد التاريخ تضعها في أهمية دول شمال أفريقيا ومصر، لكن يظل الماضي عبرة فقط، وجديد ليبيا أن ثرواتها الكبيرة قادرة على وضعها في مقدمة دول العالم الغنية إذا ما جاء الاستقرار أساسياً، بحيث لا تطغى النعرات القبلية والفئوية والدينية ليكون القانون سيد الأحكام.. لقد أهدر القذافي الثروات الليبية بالتسلح والصرف على المؤامرات والإعلام التابع له، حتى أن الفقر الذي ساد هذا البلد الغني فرض الهجرة الخارجية سواء لبلدان الجوار العربي، والأفريقي، بينما لو تم استغلال الثروة في التنمية الداخلية لاصبحت ليبيا بوزن بلدان مهمة وفي قائمة الأغنياء.. المرحلة القادمة حساسة، فطغيان القبلية بارز، لكنه لم يكن صاحب خصومات وثارات، غير أن مغريات الحكم وتدني مستوى التعليم وضعف التجربة السياسية بعد هيمنة القذافي، ربما تسبب خللاً اجتماعياً ما لم يسيطر عليه العقل، والنظر إلى ليبيا وطن الجميع.. فالطريق إلى سن دستور يلائم المستقبل والمرحلة الراهنة، تتساوى فيه الأعراق جميعاً وبنظام ديمقراطي يؤسس لقيام دولة بشروط هذا العصر موضوع سيأخذ دورته، إما بالنجاح، أو حالات الاضطراب، وهي تجربة أي شعب يخرج من صدمة الدكتاتورية إلى فضاء الحرية، وليبيا لديها الرجال والقيادات الواعية القادرة على السير بهدوء رغم الأشواك التي في الطريق..