لم يعد جائزاً ، ولا مقبولاً، ولا ممكناً تجاهل مشروع إيران الفارسية، وحلمها في التوسع، وفرض هيمنتها، ورأيها، وسياساتها الراديكالية على شعوب المنطقة، وأنظمتها، بحيث يكون القرار السياسي لها وحدها، وتكون مقدرات، وثروات الأوطان العربية في خدمة مصالحها، ومشروعها، وامتداد نفوذها لإحياء القومية الفارسية، وإخضاع العرب في كل جغرافيا المنطقة إلى خدمة أحلامها، وانخراطهم في منظومة أدوات تسويغ، وتبرير ممارساتها، وأفعالها، وأساليبها التي تكون في الغالب الأعم لا أخلاقية، إن لم تصل إلى درجة الجنون، والحماقة، والانتحار. لم يعد العرب يخوضون معركة التحدي في الخروج من ويلات الجهل، والفقر، والمرض، والتخلف المعرفي، والتنموي، واستشرافهم لخلق وصياغة واقع يمكّنهم من امتلاك أدوات المعرفة، والدخول إلى مضامين الحداثة، لم يعد ممكناً أن يتركوا هذا الجنون الفارسي الذي يلبس عباءة الدين، ويزايد في القضايا العربية، وتسكن عقله الخرافة في أتعس دلالاتها على غياب العقل، والفكر، والمنطق، والوعي السياسي والاجتماعي، ليعبث في مستقبلات الأمة العربية، ودول الخليج العربي، ويحيل مشاريعهم التنموية، واستثماراتهم في عقل الإنسان إلى حالة من التردي، والانصراف عنها لتدخل في فوضى التحدي مع الوجود، والهوية. لقد تجاوزت إيران الفارسية كل الأعراف، والمقاييس التعاملية الأخلاقية مع شعوب المنطقة، وإنسانها، ونظمها السياسية، وعملت على محاولات خلق الفوضى في داخل الجغرافيا من لبنان إلى البحرين، ومن مصر إلى الكويت، وآخر حماقاتها ما حاولت أن تثيره في العوامية من المنطقة الشرقية في المملكة، وهو عمل بائس يعيه ويدركه الطيف الكريم من الإخوة الشيعة الأفاضل، ويرفضونه، ويستهدون في ذلك بوعي وحكمة علمائهم من الشيخ حسن الصفار إلى الإمام محمد مهدي شمس الدين -رحمه الله- حين انطلقت وصاياه من لبنان. الى عموم الشيعة في مختلف الأوطان "أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم (...) وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً - يميّزهم عن غيرهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، أو من قبيل كونهم أقلية من الأقليات. ولا يجوز ولا يصح أن يحاولوا أن يقوموا بأنفسهم وحدهم وبمعزل عن قوى أقوامهم بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر ولا يعود على المجتمع بأي نفع (ص27-28)... وأكرر وصيتي الملحة بأن يتجنب الشيعة شعار حقوق الطائفة والمطالبة بحصص في النظام" (ص55-56). ويؤكد الإمام محمد مهدي شمس الدين العاقل، والمفكر، وصاحب الانتماء العروبي، ويطالب أن يكون ولاء الشيعة لأوطانهم التي ينتمون إليها، ولهويتهم العربية، ويندمجوا في سياسات وتشريعات وقوانين الأنظمة التي تظللهم، ولا ينحازوا لمرجعيتهم الدينية، وينخرطوا في مشروع الولي الفقيه، بل يكون الانتماء والولاء لأوطانهم ولا غير. أحسب أن على حكومات العالم العربي أن يعملوا على تفكيك، وتذويب بؤر إيران في العالم العربي في لبنان، وغزة، وصولاً إلى ما تعتقد وهماً أنه أذرعتها في الخليج العربي، وأن يحبطوا محاولة إقامة الإمبراطورية الفارسية، رغم أن التاريخ لا يمكن إعادة إنتاجه.