** السينمائيون أختاروا بول نيومن كأفضل ممثل للقرن العشرين.. وفق مقاييس فنية وتجارية أيضاً.. تتعلق بطبيعة أدواره.. ودخل أفلامه.. ومستوى تواجده في مختلف مراحل حياته الفنية. طبعاً هذا لا يعني أن بصمته الفنية.. وأدواره المميزة أهم من تلك التي تركها بعض أبناء جيله.. لكنها مواصفات صناعة السينما.. في حين أن كثيراً منا.. لا يذكر له تلك الأدوار ذات البصمة المميزة. ومازالت البصمة المميزة بالنسبة لمشاهد متواضع مثلي تقف عند انجاز الفنان الكبير مارلون براندو.. ليس من خلال دوره القصير العظيم في فيلم «العراب» أو «قاد فاذر».. لكن من خلال معظم أدواره.. غير أن أمر استمراريته هو الذي أبعده عن الصدارة.. فمجموع أفلامه لا يصل إلى أربعين فيلماً.. في حين تواجد بول نيومن في أدوار رئيسية تزيد على المئة شاب وشيخ. وإذا كان «مارلون» أبرز نجوم السينما.. فهو يقول عن التمثيل.. انه مهنة «تافهة» تدر مالاً كثيراً. وما أكثر الذين امتهنوا «التمثيل» في الحياة.. بمال وبدون مال. هناك أناس رسموا لأنفسهم أدواراً.. واستغرقوا في تمثيلها حتى صدقوا أنفسهم وصدقوا أدوارهم المركبة. وهناك أناس يؤدون عدة أدوار في وقت واحد.. أو ينتقلون من دور إلى آخر وفق مصالحهم وقدراتهم التمثيلية. وهناك أناس مسخت شخصياتهم الحقيقية ولم يعودوا يعرفونها هم أنفسهم فما بالك بالآخرين. وهناك أناس يتقنون أداء أدوارهم بطريقة احترافية تجعل المشاهد يصدق ما يؤدونه من أدوار.. بعضها يدعو للاحترام.. وبعضها يثير الضحك وبعضها يستدر الدموع ايضاً.. وكله تمثيل في تمثيل. أغرب الناس هم أولئك الذين يمثلون بطريقة جادة وباجتهاد في حفظ الأدوار وطريقة الأداء.. ويندمجون في تمثيلهم علهم يصلون إلى جعل المشاهد يصدق ويتفاعل ويتأثر. غير أنهم «في اندماجهم» يغفلون عن حقيقة ان المشاهد وحده هو الذي يدرك أنهم يمثلون. والمشاهد ليس بريئاً فهو يمثل أمامهم دور المشاهد الذي صدق أنهم لا يمثلون عليه وأنهم حقيقيون جداً.. بينما هو في داخله يضحك من رداءة تمثيلهم.. ويستهجن أدوارهم وطريقة اجتهادهم لاقناعه بأنهم لا يمثلون عليه.. ولا يمثلون أمامه.. فيما هم غافلون عن الدور الذي يمثله بأنه يصدق ويصدق ويصدق. هل نحن جميعاً مجرد ممثلين. إذا صح هذا.. فمن هو المشاهد المحايد الذي يستطيع تقييم الأداء ليحدد مستوى البراعة والقدرة على الاقناع. ألم يقل في زمن ما.. ان الحياة مسرح كبير.. وأننا مجرد ممثلين كل على قدر وعيه ومستوى مواهبه.