دون جونسون هو رمز الجيل الآتي من التلفزيون إلى السينما الهوليوودية، وهو اشتهر بفضل المسلسل العالمي المعروف «رذيلة ميامي» الذي أثار إعجاب الجمهور النسائي مثلما فعل جيمس دين من قبله في الخمسينات من القرن العشرين، إضافة إلى تميزه بحس فني فريد يسمح له بمواجهة أصعب الأدوار أمام الكاميرا منتقلاً من الدراما الى الفكاهة مروراً بالشر والمغامرات. لمع دون جونسون في أفلام مختلفة مثل «لقطات ساخنة» و «ذنب الرذيلة» و «تين كاب» و «مولود بالأمس» و «هارلي دافيدسون» تاركاً في كل مرة العنان لقدراته التمثيلية بإدارة أكبر المخرجين مثل سيدني لوميت ودينيس هوبر وكيفين كوستنر. زار جونسون باريس للترويج لمشروع فيلم «رصاصة للحبيبة الحلوة الذي سيخرجه ويؤدي بطولته في الوقت نفسه برعاية المنتج اللبناني المقيم في هوليوود جورج إده. ولمناسبة الإعلان عن هذا الفيلم التقته «الحياة» وحاورته. ما هو مشروعك الحالي في باريس؟ - أنا الآن في فرنسا مع شريكي المنتج جورج إده بهدف ترتيب الإجراءات النهائية الخاصة بالناحية المادية لفيلمنا «رصاصة للحبيبة الحلوة» الذي سأخرجه إضافة إلى قيامي بأداء بطولته إلى جوار جاكي شان، وهو فيلم من نوع المغامرات الخفيفة المبنية على الحركة وخفة الروح. ومن ناحية ثانية أنا أشجع إده وأسانده في مشروعه الخاص بإنشاء همزة وصل بين هوليوود والعالم العربي. وما هي تفاصيل فكرة إده الخاصة بالدمج بين هوليوود والعالم العربي؟ - السينما الأميركية تصور عادة أفلامها التي تقع أحداثها في مناطق عربية في المغرب أو في تونس، ولكن المنطقة العربية تتمتع بإمكانات هائلة ومناظر جذابة للغاية في الخليج، لا سيما في دبي حيث تتواجد أستوديوات للتصوير السينمائي، وفي قطر كذلك. وهدف إده جذب هوليوود والغرب عموماً إلى منطقة الخليج بمعنى أننا سنصور أفلامنا الأميركية في هذه المنطقة مع نجوم دوليين من أميركيين وعرب، من لبنانيين ومصريين وغيرهم، وأيضاً أوروبيين وآسيويين وبأموال مشتركة. ويطلق إده على هذه السينما إسم «غلوبال موفي» أي سينما إجمالية. إن المشروع قائم وهو من النوع الضخم ولهذا السبب يفكر إده في تنفيذه مع أصدقائه آرثر سركيسيان وماريو قصار وغيرهم من كبار المنتجين اللبنانيين في هوليوود، إضافة إلى جهات رسمية عربية تبدي استعدادها لدعم الفكرة في خطواتها المقبلة. وأنا كفيل من خلال علاقاتي الكثيرة في دنيا النجوم بإقناع العدد الأكبر من ألمع الأسماء في ميدان السينما بالتعاون مع إده والمشاركة في الأفلام التي سينتجها. كيف انطلقت في السينما لا سيما في أفلام أخرجها عدد من الكبار بعد نجاحك التلفزيوني العريض، علماً أن السينما نادراً ما تستعين بنجوم الشاشة الصغيرة؟ - قد يبدو كلامي غريباً ولكنني شعرت بالقلق والخوف منذ أول يوم لي أمام الكاميرات السينمائية وذلك بعدما تمنيت هذه اللحظة سنوات وسنوات. أما عن كيفية انطلاقي في مهنة السينما بعد نجاحي التلفزيوني، فقد حدث الأمر بطريقة عادية جداً، وأقصد عن طريق تسلمي بعض العروض من قبل المخرجين وشركات الإنتاج، ويبدو أن أهل المهنة لم يعترضوا أبداً على أن أدمج بين الشاشتين الكبيرة والصغيرة من ناحية البطولات. ولعب الحظ دوره بأسلوب فعال في التقائي الكبار بدلاً من الفاشلين. سرعة البرق ما رأيك في وسائل الإعلام التي تقول إنك نجحت بفضل وسامتك مثل جيمس دين؟ - دعني أؤكد لك أن الوسامة في حد ذاتها لا تسهل علي الموضوع، لأنها من أخطر مطبات مهنة السينما. أنا لم أقرر التمتع بمظهر وسيم وهذا ما حدث لي. ونجاحي في العمل السينمائي يعود في رأيي إلى وقوعي في غرام مهنة التمثيل ورغبتي في ممارستها وكوني تعلمتها في مدرسة للدراما مثل أي ممثل آخر بصرف النظر عن قدرة ملامحي على فتح الأبواب أمامي. وهناك الكثير من التأثيرات السلبية على الفنانين الذين ينجحون فجأة بفضل مظهرهم ثم يختفون بسرعة البرق. وأعتقد أنني أقنعت العالم الآن بجدية نيتي في اقتحام عالم الفن وتحمل مشقاته. مشقاته ولكن أيضاً حلاوته، خصوصاً بعدما قضيت جزءاً من شبابك مع النجمة الجذابة جداً ميلاني غريفيث؟ - طبعاً، فهذا ما يقوله الجمهور العريض، وأنا لا أنكر علاقتي الحميمة مع ميلاني فنحن تزوجنا وطلقنا ثم تزوجنا مرة ثانية ورزقنا بطفلة اسمها داكوتا، وأود أن أوضح نقطة مهمة هي تعرفي إلى ميلاني بعد بدايتي الفنية بحوالى عشر سنوات، مما يدل على أنني عانيت وتحملت المشقات قبل أن أعرفها. وهل تحلم بنجومية على مستوى تلك التي تمتع بها جيمس دين؟ - لا، فالمهم هو أن أعمل، أما الشهرة على مثل هذا المستوى فتفيد في الدخول إلى التاريخ السينمائي أكثر من أي شيء آخر، لذلك لا أرفضها وفي الوقت ذاته لا أسعى وراءها بطريقة محددة. وعلى العموم أعرف أن النجومية على طريقة مارلون براندو وجيمس دين وغيرهما قد ولّت أيامها والممثل في الزمن الحالي يشبه رجل الشارع العادي، بينما أصبح نجوم الموضة والتجميل في المرتبة الأولى في ما يخص إثارة مخيلة الجماهير. وربما تنعكس الأمور في المستقبل من جديد وتعود السينما إلى مهمتها الأصلية التي هي إثارة الخيال، فهذا ما أتمناه. كيف أقنعك المخرج الراحل الآن رولان جوفيه بالعمل في فيلمه «الوداع يا حبيبي»، علماً أن دورك فيه كان يشبه كثيراً ما قدمته في السابق، لا سيما في فيلم «ذنب الرذيلة»؟ - قرأت السيناريو مع رولان جوفيه واكتشفت نقطة مشتركة بيني وبينه هي حبنا للحكايات البوليسية التي تدور أحداثها في الأوساط البورجوازية الثرية، وبالتالي نشأت بيننا صداقة فورية وقوية دامت حتى رحيله. وأعترف بأنني كنت أحلم بمثل هذه الفرصة ولم أجرؤ أبداً حينذاك على رفض هذا الدور رغم ما تقوله عن كوني ظهرت في عمل مشابه في الماضي، فقد كنت أخاف إضاعة فرصة ذهبية إضافة إلى أنني كنت أحترم جوفيه جداً كفنان وأحب أفلامه السابقة مثل «الرسالة» مع روبرت دي نيرو و «الحرف الأحمر» مع ديمي مور. من الواضح أنك لا تعمل مع مخرجين من الشباب، فهل هناك ما يبعد شبان السينما عنك؟ - الذين أعمل معهم هم عمالقة الفن السابع. وهناك جيل جديد من السينمائيين يعبر عن حياة ومشاكل الشبان من خلال الكاميرا، ومن الطبيعي أن يختار هؤلاء ممثلين يلائمون شخصيات السيناريوات من حيث العمر والشكل، وهذا كل ما في الأمر. إنها الموجة الجديدة الحالية مثلما كان هناك موجة «جديدة» في الستينات كانت تلجأ إلى خدمات بعض النجوم وتجاهل الكبار في العمر اعتباراً من سن الأربعين مثلاً. كم عمرك؟ - سأبلغ الستين في نهاية العام الحالي. وماذا عن الدونجوانية التي لا تزال تلاحقك سينمائياً؟ - أنا أسعد رجل في الدنيا بصحبة شريكة حياتي التي هي معلمة في مدرسة للأطفال في مدينة سان فرانسيسكو، وهي هنا في باريس معي، فلا أقدر على فراقها أبداً. أما الدونجوانية فهي مهنتي وهي تناسبني فوق الشاشة فقط مثلما تقول أنت، إذا تطلبت أدواري أن أجذب النساء، ومن ناحية ثانية لا أمانع في إثارة إعجاب المتفرجات، ولكن عن بعد. القيم السامية ما هي نظرتك إلى سينما الزمن الحالي؟ - أراها تجرد الحياة من الشاعرية تماماً، فالعنف أصبح مسألة طبيعية، والقتل أيضاً، وأما المشاعر السامية فقد اختفت من فوق الشاشة وحلت الخيانة مكان الحب والإخلاص. إننا نعيش في زمن يلغي القيم ويشجع المرء على تنمية غرائزه الحيوانية البشعة، والسينما تعكس هذا الواقع الاجتماعي بصدق يفوق حد المعقول في رأيي. أنا مقتنع بأن الجمهور العريض في حاجة ماسة لمشاهدة شيء يتعدى الواقع اليومي الصعب ويرفع من معنوياته ويعيد إليه الثقة في المبادئ والقيم السامية، وهذا ما أنادي به بالنسبة الى سينما المستقبل. أنت تكتب السيناريوات وتخرج، فهل تفضل هذين النشاطين على التمثيل؟ - لا أعشق الكتابة ولكنني في حاجة دائمة إلى التمثيل لأنه عمل جماعي ولأنني أكره الوحدة، والكتابة لا تتم إلا في الوحدة حتى إذا كانت عملية مشتركة بين طرفين أو أكثر مثلما حدث بيني وبين إده بالنسبة الى فيلم «رصاصة للحبيبة الحلوة». فكل طرف يكتب قطعته من جانبه في الحقيقة، ونحن كنا نجتمع بعد الكتابة لنناقش أفكارنا ونقارنها. أما صلب العمل فيتم على عكس التمثيل، في جو من الوحدة. وبالنسبة الى الإخراج فهو عمل جماعي أكثر من التمثيل لكنه أصعب بمراحل كبيرة أيضاً، لذا أنوي الاستمرار فيه بطريقة دورية مرة في كل سنتين أو ثلاث سنوات ولا أكثر من ذلك، بينما لا أتردد في قبول التمثيل في أفلام عدة وفي كل عام، فالممثل يحمل مسؤولية دوره فقط بينما يحمل المخرج مسؤولية الفيلم بأكمله. هل اخترت مهنة التمثيل مثلاً لتهرب من واقع حياتك؟ - أنا اخترتها لسبب رئيس هو اكتشاف حقيقة نفسي من خلال الأدوار التي أمثلها والتي تجبرني على التفتيش في أعماق روحي عن هويتي الفعلية. إن التمثيل عبارة عن تحليل نفساني لا أكثر ولا أقل علماً أن الممثل يتقاضى أجراً عن هذا التحليل بدلاً من أن يدفع قيمة الزيارة للمحلل النفساني مثلما يفعله أي شخص عادي. وللرد على سؤالك فأنا لا أود أن أهرب أبداً من واقع حياتي اليومية، فهي تناسبني وأنا رجل سعيد.