الزمان: سبتمبر-ديسمبر 1976م المكان: غابات في الفلبين الحدث: أواخر فترة تصوير فيلم (القيامة الآن) Apocalypse Now عندما بدأ المنتج والمخرج فرانسيس فورد كوبولا تصوير فيلمه (القيامة الآن) بعدما كتب سيناريوه هو وجون ميلوس معتمدين بشكل طفيف فقط على القصة الشهيرة (قلب الظلمات Heart of Darkness) للروائي جوزيف كونراد فإنه لم يكن يظن أن التصوير سيطول به أكثر مما يجب وبأن هذا الفيلم سيجلب الكثير من المتاعب والمشاكل خصوصاً وكوبولا لم يعرف سوى النجاح آنذاك في أفلام العرّاب (بجزئية الأول والثاني) وفيلم المحادثة وكلها حصدت جوائز كبرى ونجاحاً نقدياً وجماهيرياً هائلاً. فالسيناريو الجديد يتناول حياة ضابط أمريكي يتم ارساله لأدغال فيتنام لكي يقضي على قائد أمريكي ترك الجيش وكوّن له جيشاً من الأتباع الفيتناميين الذين أصبحوا يقدسونه كقائد عظيم. تصوير الفيلم في غابات الفلبين كان بحضور طاقم كبير ومكلف ويكفي أن نذكر أن ما تقاضاه مارلون براندو وحده عن دوره القصير جداً والذي لا يستغرق عمل شهر له كان يقارب الثلاثة ملايين ونصف من الدولارات وهو مبلغ لم يسبق أن تقاضاه ممثل على أي فيلم سابقاً آنذاك. كانت فترة التصوير مضنية وطويلة حيث بدأت في شهر مارس من عام 1976م واستمرت لأكثر من ستة أسابيع بعد الموعد المخطط له للتوقف وبتكلفة إضافية تتجاوز المليوني دولار بسبب ظروف عدة مثل هطول الأمطار الشديدة التي أوقفت التصوير عدة مرات ومثل عدم رضا كوبولا عن مناسبة الممثل هارفي كيتل للشخصية الرئيسية للفيلم مما جعله يوقف الفيلم ليعود لأمريكا ويختار مارتن شين بدلاً منه. بعد عودة كوبولا في نهاية العام شاهد ما تم تصويره ولم يرض عنه فعاد في بداية السنة التالية 1977م ليعاود التصوير وليواجه المزيد من الصعوبات كالأزمة القلبية التي تعرض لها مارتن شين خلال التصوير، لكن المصيبة الأكبر هي الزيادة الكبيرة في وزن مارلون براندو مما جعله لا يناسب الشخصية المكتوبة. لم يجد المخرج حلاً سوى أن يستعيض بممثل بديل أطول وأخف وزناً كما قلل من ظهور براندو مكتفياً بإجلاسه في الظلمة وظهور وجهه فقط دون جسمه. سرت شائعات لاحقاً بأن الفيلم تم تصوير خمس نهايات له بسبب تردد كوبولا، وهو أمر لم ينفه كوبولا ووضح لاحقاً أن زيادة وزن براندو منعته من تصوير المشهد الختامي الذي خطط له بالسيناريو وهو الأمر الذي بعثر جميع أوراقه ككاتب ومخرج للفيلم.في بداية صيف 1977م تم الإنتهاء من التصوير بالكامل تقريباً وكان لدى الفريق خطة بوضع وتركيب الصوت في أربعة أشهر لكن عدم وضوح فكرة النهاية قد يسبب ارباكاً للجميع حيث لم يكن كوبولا قد جزم بعد فيما إذا كان سيستخدم التعليق الصوتي طوال الفيلم أو لا، فعدم استخدام التعليق يعني أن يضطر لتركيب الأصوات الإضافية في مدة قد لا تقل عن عشرة أشهر!. وقلبه مليء بالشك من استطاعته إنهاء الفيلم بسلاسة، استطاع كوبولا إقناع مدراء شركة يونايتد ارتيست بتأجيل موعد العرض الأول للفيلم من مايو 1978م إلى أكتوبر. وعندما عرضت النسخ التجريبية الأولى للفيلم أظهر الجمهور عدم الراحة لبعض المقاطع كما كان هنالك شبه إجماع على أن نهاية الفيلم مرتبكة ولا تتناسب مع بقية العمل وبسرعة اتصل كوبولا بالكاتب مايكل هير طالباً مساعدته فقدمها الآخر وخاض مع كوبولا مرحلة طويلة أعادا فيها تشكيل الفيلم وكتب فيها هير التعليق الصوتي الكامل للفيلم بطريقة تسهل على المشاهدين فهم الأحداث. شارك الفيلم في مهرجان كان السينمائي لعام 1979م ودخل المنافسة على جائزة أفضل فيلم رغم أنه كان مصنفاً في المهرجان ك(فيلم لا يزال العمل جار عليه) أي فيلم غير منته. رغم الصعوبات التي واجهها الفيلم وكثرة هجوم الصحف والإشاعات عليه خلال فترة التصوير، استطاع الفيلم –الغير مكتمل- حصد أهم جوائز السينما في العالم، جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان بالمشاركة مع فيلم "طبل الصفيح" الألماني. كما ترشح الفيلم لاحقاً للأوسكار والغولدن غلوب لأفضل فيلم وفاز الفيلم بالعديد من الجوائز في العديد من المهرجانات العريقة عالمياً. اليوم و بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على ظهوره يعتبر أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما الأمريكية حيث اتفق غالبية النقاد على اعتباره تحفة فنية، وفي استفتاء لمجلة صوت وصورة الشهيرة بتخصصها السينمائي عام 2002، جاء فيلم (القيامة الآن) متصدراً الجميع ومحتلاً المرتبة الأولى كأهم فيلم ظهر خلال الخمس والعشرين السنة الأخيرة. عليكم –أعزائي القراء- أن تتأكدوا عند مشاهدتكم هذا الفيلم الرائع من النسخة التي ستشاهدونها، واعلموا أنها نسخة واحدة من عدة نسخ ظهرت من الفيلم مع تعاقب السنوات واختلاف النهايات له، حيث ظهر الفيلم بنهايات مختلفة خلال مراحل المونتاج ومشاركاته في عدد من المهرجانات. شخصياً شاهدت الفيلم بنسخته المسماه Apocalypse Now – Redux والتي تم طرحها على أقراص ديفيدي عام 2001م وضمت 49 دقيقة إضافية كانت قد حذفت من الفيلم الأصلي عند طرحه. وبغض النظر عن أي النسخ ستشاهدون، فأنتم موعودون مع فيلم سيذهلكم بجماله البصري وسيصدمكم بصدقه وشاعريته وعمقه.