من يحب هوليوود وكلاسيكياتها الخالدة، ويعشق أيقوناتها ونجومها الأسطوريين كشارلي شابلن ومارلين مونرو ومارلون براندو الذين مروا عليها طوال القرن الماضي، يعرف أن بول نيومان هو أحدهم، وأحد أكثر النجوم شعبية ومحبة لدى مجتمع هوليوود على وجه الخصوص، وجمهور ومحبي السينما بوجه عام. نيومان الذي قال "طالما أن قلبي ينبض، هذا يعني أنني حي" وهو مستمر في رحلته في الحياة متجاوزاً مصاعب المرض والشيخوخة، رحل عن عالمنا قبل أيام في السادس والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، عن 38عاماً، في منزله في ولاية كونكتيكت الأمريكية بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. ربما تكون عبارة (رحيل آخر العمالقة) هي أشهر جملة يُنعى فيها أسطورة فنية، من دون أن نعلم هل هو فعلاً آخر عملاق أم أن عملاقاً آخر سننعيه بهذه الصفة حال وفاته، لكن على أي حال، سواء كان بول نيومان هو آخر عملاق أم لا، فإننا متأكدون بأنه عملاق بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالذي فعله كممثل مع زملاء له آخرون تخرجوا من مدرسة مغمورة في حينها تدعى (أستوديو الممثل) انتهجت أسلوباً جديداً في الأداء التمثيلي، كان له اليد الطولى في تغيير شكل الأداء والتمثيل السائد في هوليوود في مطلع الخمسينات، واعتبرت ثورة أولى من قبل الممثلين، قبل عدة ثورات قادمة طوال عقدي الستينات والسبعينات ستكون هذه المرة من قبل زملائهم المخرجين، مما سيغير خارطة هوليوود وللأبد، وقد يكون هو وزميله الأشهر مارلون براندو زعيمي هذا التيار الجارف، الذي سيمتد ويولد الكثير من أبناء مدرسة أستوديو الممثل الأسلوبية مثل آل باتشينو وروبرت دي نيرو وداستن هوفمان وغيرهم من نجوم هوليوود الذين عبروا عن قدرة فائقة وهائلة في تعبيرهم وأداءاتهم الفنية المذهلة، يقول "لي ستراسبيرغ"، الأستاذ في (أستوديو الممثل) والذي درب براندو ونيومان، وكل هذه الكوكبة المتميزة التي خرّجها هذا المعهد، أن نيومان يتمتع بذكاء عجيب وكان بإمكانه أن يتفوق على براندو، ويصبح أكثر عظمة منه في الأداء لولا وسامته وسحره الطاغي، كما أنه كان يعيب عليه اهتمامه بشكله وإطلالته أكثر بكثير من اهتمامه بأدواره!. بدأ بول نيومان حياته الفنية (وهو الذي ولد في ولاية أوهايو الأمريكية عام 5291) على خشبة المسرح ثم انتقل منها إلى التلفزيون، قبل مشواره الطويل والحافل مع السينما الذي بدأه عام 4591، وضم الكثير من الروائع السينمائية مثل الفيلم الأوسكاري (The Sting) عام 37وفيلم الويسترن الكلاسيكي (Butch Cassidy and Sundance Kid) عام 96، اللذين شاركه بطولتهما صديقه الممثل روبرت ريدفورد، لكن الدور الأول الذي أطلقه في سماء النجومية وخطف الأنظار وترشح عنه لأول أوسكار في تاريخه، فكان دور الزوج السكير أمام الممثلة اليزابيث تايلور في رائعة المسرحي الأمريكي الأشهر تينيسي ويليامز (قطة على سطح صفيح ساخن- Cat on A Hot Tin Roof) عام 8591، والمفارقة هنا، أن زميله ومنافسه الأشد مارلون براندو كان قد اشتهر أيضاً بدور مماثل، دور الزوج السكير والمضطرب، بفيلم (عربة اسمها الرغبة - A Streetcar Named Desire) المستوحى من مسرحية أخرى لتينيسي ويليامز أيضاً!. بول نيومان كان سيئ الحظ مع جوائز الأوسكار فبعد ستة ترشيحات على مدى أربعة عقود، ارتأت الأكاديمية الأمريكية تسليمه أوسكاراً فخرياً عن مجمل أعماله ومسيرته الفنية في عام 68، وكان عمره حينها 16عاماً، لكنه أثار مفاجأة كبرى في العام الذي يليه عندما انتزع بجدارة واستحقاق أوسكار أفضل ممثل بعد تأديته شخصية لاعب البلياردو العجوز أيدي فليزون في فيلم من توقيع مارتن سكورسيزي بعنوان (لون المال- The Color of Mony)، العام 68، وهي نفس الشخصية التي قدمها، وترشح عنها للأوسكار أيضاً، في واحد من أشهر أفلامه، وأشهر أدواره، في فيلم (المحتال- The Hustler) عام 1691وأخرجه صديقه المخرج روبرت روسين (الذي استلم جائزة الأوسكار عام 78بالنيابة عن بول نيومان الذي غاب عن الحفل لأسباب مجهولة). الأفلام الأخرى التي ترشح عنها للأوسكار، وميزت مسيرته الفنية، هي فيلم (Hud) عام 36من إخراج مارتن ريت، وهو واحد من أجمل أفلام الويسترن، والفيلم الدرامي (Cool Hand Luke) عام 76، وفيلم سيدني بولاك (Absence of Malice) عام 18، وفيلم سيدني لوميت (The Verdict) عام 28، ثم فيلم الأخوين كوين (The Hudsucker Proxy) عام 49، وأخيراً كان ختامها رائعاً مع ترشحه كأفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم (الطريق إلى الجحيم- Road to Predition) للمخرج الشاب سام منديز عام 2002، وكان هذا الدور هو آخر أدواره السينمائية، يذكر أنه شارك بصوته في فيلم بيكسار الرسومي والعائلي (سيارات- (Cars عام 6002."لكي تكون ممثلاً، عليك أن تكون طفلاً" هي من أشهر مقولات بول نيومان الذي اشتهر بأعماله الخيرية والإنسانية، خصوصاً فيما يتعلق بخدمة الأطفال المصابين بالسرطان، كما نال العديد من الجوائز التكريمية جرّاء أعماله الإنسانية العديدة. ومع كل هذه الإنجازات، يبقى انجازاً خالداً أتمه ورسخه بول نيومان، وهو أن الموهبة العظيمة قد تطغى أحياناً على الوسامة الطاغية، والعينين الزرقاوين، والشعر الأشقر، هذا ما أثبته هذا الراحل الكبير، كما لم يفعل أحد من قبل!.