أحسب أن ذلك حدث في عهد الفاطميين، وأحسب أن الصورة ، والممارسة ، والانتهازية ، والوصولية متجذرة في تكوين بعض الإنسان العربي منذ زمن سديمي موغل في التشوه ، وانهياراته القيمية والأخلاقية، فقد شخص الشاعر إلى والي مصر يخدعه ، ويطربه ، ويخاطب النرجسية في ذاته ، ويحرّك ورم العظمة المتكون في داخله ، وينشده قصيدة يرقص عبرها على أوجاع الناس ، وآلامهم، ومآسيهم . كيف ذاك ..؟! ضرب مصر زلزال مدمر ، أصاب الناس في عمق تفاصيل حياتهم ، أفقدهم ممتلاكاتهم ، وفجعوا في أولادهم ، وأقاربهم ، ومحيطهم الاجتماعي ، وعمّق الوجع ، والانهيار ، والتفتت في فضاء عيشهم ، وأنبت الحزن إلى حد الذهول في وعيهم، فجاء الشاعر المرتزق، والعاهر في امتهانه للناس والكلمة، يرقص على تلك المأساة ، ويسوغها ويبررها بشكل بائس وتعيس ، ويوظفها في مخاطبة " الأنا " والنرجسية ، والتضخم عند الوالي وينشد: ما زلزلت مصر من كيد ألم بها لكنها رقصت من عدلكم طربا هكذا تكون الكلمة عندما تُبتذل قيمتها ، وصدقيتها، ووظيفتها الأساسية في صناعة الحياة الجيدة للناس ، وتشكيل وعيهم الحضاري ، والمعرفي ، ويمسخها من يحولونها إلى وسيلة ارتزاق ، وتزلّف، وبحث عن موقع امتياز في السلطة ، أو في شبكة المتسلطين ، والمنتفعين ، واللاهثين خلف هدف استغلال قوت الشعوب ، وتكوين الثروات ، وبالتالي تدمير أسس قيام الكيانات والمؤسسات المدنية الفاعلة في تطور الإنسان ، والوصول إلى حالة من تحصين المقدرات ، والثروات ، ومنتج الجغرافيا ، والإنسان . تتحول الكلمة عند البعض من الذين لا يستشعرون قداستها إلى منتج عهر ، وأداة هدم ، ووسيلة تبرير للطاغية " الزعيم " في ممارساته التسلطية، والقمعية ، ومحاولاته إلغاء الإنسان ، وإنتهاك قيمته ، وامتهان كرامته ، وتحويله إلى كائن هامشي، مسحوق ، يشكّل رقماً من أرقام الفطيع البشري في الجغرافيا التي تسمى تجاوزاً " دولة "، وهذا بفعل ذلك الغثاء الذي كونه " الزعيم " حول نفسه ، ونظامه، واستخدمه للتظليل ، والزيف ، والخداع ، والكذب عبر وسائل الإعلام المكتوب ، والمرئي ، والمسموع ، وهو غثاء بائس ، مضحك في كثير من الأحيان ، ومستَفز في مضمونه إلى أبعد حدود الاستفزاز للشعوب ، وللذين يحملون الكلمة أمانة ، ومصداقية ، ووعياً ، ينحازون بها إلى أوجاع الشعوب ، وداءاتهم ، وتفتتاتهم التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية والشمولية. يصاب الإنسان بالخيبات وهو يشاهد عبر القنوات الفضائية هذا المسخ ممن يظهرون مغسولين معطرين وفي كامل أناقتهم التي تنتجها محلات " كريستيان ديور " وسواها ، وهم يكذبون ، ويزيفون، ويبررون الممارسات الوحشية للنظام الوحشي ، ويحاكمون القتيل ، ويبرئون القاتل ، وكأن هذه الدماء التي تسيل ، ومشاهد العنف المفرط من أجهزة النظام ، والتصفيات الجسدية ، وانتهاك الأعراض، واستباحة الكرامات عمل يصب في مجرى بناء الأوطان، ورفاه المواطن ، وقيام المؤسسات المدنية التي تهدف إلى البناء ، والإنتاج ، والخلق. هؤلاء هم دخلاء على الكلمة، والوعي، والثقافة، والعمل المتصل بالشأن العام، وزمنهم في أفول.