لستُ متعاطفاً مع نهج الرئيس حسني مبارك في طريقة حكمه ، وقيادته لشعب يعتبر من أثرى وأغنى الشعوب العربية تأثيراً ، ولست متفقاً مع ممارسات الإدارة السياسية في مصر إن على مستوى إدارة الأزمات السياسية والمعيشية والحياتية ، وإن على مستوى ترميم الوضع الاقتصادي للإنسان ، واتخاذ إجراءات إنقاذية للانهيارات التي يمر بها الاقتصاد منذ زمن بعيد ، وإن على مستوى معالجة الفساد ، والاهتراء ، والسرقات ، والنهب الذي أصبح مظهراً مؤلماً في فضاء الإدارة ، ومؤسسات الحكم في مصر.. من هنا فإن قارئ الحدث ، والمراقب المنصف للنمط الفكري والرؤيوي الذي ينتهجه الحكم في مصر ، لابد وأن يستخلصا ما وصلت إليه الأوضاع في الشارع ، وأن يعتبرا ذلك نتيجة حتمية للنهج السائد في الفكر والممارسة ، وطغيان رأس المال البشع على كل مفاصل السلطة ، وإقصاء الإنسان بحيث لايكون هدفاً بل وسيلة ، ولايصبح في الرؤية غاية بل جسراً للعبور إلى الامتيازات ، وتكوين الثروات ، ونهب المال العام ، والرقص على آلامه ، وأوجاعه ، وإحباطاته ، وهزائمه . لانملك بالفعل إلا التعاطف مع المسحوقين ، العاطلين ، البائسين في ميدان التحرير ، فالجوع كافر ، " وعجبت لامرئ لايجد قوت يومه ثم لايخرج إلى الناس شاهراً سيفه " كما قرر الصحابي " أبو ذر الغفاري " ذات يوم . فمواطن يعيش بأقل من دولارين في اليوم في زمن أصبحت الحياة فيه مكلفة إلى حد لايطاق ، وتعددت متطلبات العيش الكريم المسيج للكرامة ، وإنسانية الإنسان ، هذا المواطن لابد أن يركب الصعب ، ويرفع صوته مدوياً في سبيل الحصول على ما يغلق الأفواه المفتوحة للرغيف في منزله ، ويطعم البطون الجائعة بشكل أبدي ، ويجعلها تعيش أيامها بشكل سويّ ومتوازن كحق من حقوقها ، ولاتنتظر فتاتاً مِن مَن اصطلح على تسميتهم ذات زمن ب " القطط السمان ". إذن : التعاطف مع هؤلاء مشروع ، وواجب تفرضه الإنسانية ، وإحساس الإنسان بأوجاع أخيه الإنسان ، وتفتتاته ، وانكساراته . ولانجد حرجاً في أن نشير بالأصبع وبوضوح إلى آثام ، وأخطاء الإدارة السياسية في مصر ، ولانجد سبباً واحداً يجعلنا نبحث عن مسوغات ، أو مبررات لنهجها الاستعلائي ، وطرق تعاملها مع هذه الجموع الصابرة دائماً ، والمقتاتة صبراً وسكوتاً. غير أن هذا كله لايبرر على وجه الإطلاق أسلوب الهجوم البذيء جداً ، والخارج عن أدب الحوار ، ولغة التخاطب بين الناس على مختلف شرائحهم ، وأطيافهم ، مما نشاهده ونسمعه على بعض القنوات الفضائية من المتعاطفين والمؤيدين لحركة الشباب في مصر ، وبالذات من بعض الجهات الأصولية ، فقد شاهدت بعض الخطابات لتجمعات إسلامية سلفية في طرابلس وبيروت ، تفيض قيئاً ، وتمتلئ بمفردات السباب ، ولغة الشتيمة الهابطة لرموز النظام في مصر ، مما يجعل الإنسان يصرخ ويحتج من امتهان اللغة ، والانحدار بقاموسها للعالم السفلي . ولانعفي جماعة " الإخوان المسلمين " في مصر من انتهاج هذا الأسلوب ، وتلك اللغة الهابطة . خلافاتنا، واختلافاتنا يجب أن تكونا متفوقتين حتى في أسلوب الرفض ، والاحتجاج..