لن أكتب عن العراق بحاضره الموجع، ومستقبلاته القاتلة، وإنسانه المحاصر بالخيبات، والانكسارات، والخلافات والجوع، والرعب، والجغرافيا المهددة بالتفتيت، و"التفريس" والثقافة، والحضارة التي أثءرت العالم، وأعطته فضاءات الفهم، والإبداع، والخَلق، لن أكتب عن كل هذا بقدر ما نقدم كل اعتذاراتنا للقارئ الذي نصدمه يوميا بالصور على الصفحات الأولى بفواجع العراق، ونؤزمه بكتاباتنا عن التراجيديا التي تحدث في العراق. أتجاوز هذا كله، وأذهب - اليوم - الى المبدع البائس، والشاعر الكبير بدر شاكر السياب، وأترحم عليه، وأتذكر قوله من قصيدة "وصية من محتضر". "إن مت ياوطني: فقبرٌ في مقابرك الكئيبه أقصى مناي. وإن سلمت فإن كوخاً في الحقول هو ما أريد من الحياة، فدى صحاراك الرحيبه أرباض لندن والدروب، ولا أصابتك المصيبه..! أنا قد اموت غداً، فان الداء يقرض غير وان، ... .... ... ... ياأخوتي المتناثرين من الجنوب إلى الشمال بين المعابر، والسهول، وبين عالية الجبال أبناء شعبي في قراهُ.. وفي مدائنه الحبيبه... لا تكفروا نِعم العراق.. خير البلاد سكنتموها بين خضراء، وماء، الشمس، نور الله، تغمرها بصيف او شتاء لا تبتغوا عنها سواها.. هي جنة فحذارِ من أفعى تدب على ثراها أنا ميت، لا يكذب الموتى، وأكفر بالمعاني إن كان غير القلب منبعها. فيا ألق النهار اغمر بعسجدك العراق، فإن من طين العراق جسدي ومن ماء العراق.." أيها الرائع الكبير والعملاق، رحمة ربك أنك قلت للعراق، وأرض العراق، وانسان العراق، ودجلة والفرات، وبويب، وجيكور، وكل أصدقائك في الوطن العربي وداعاً، وأنك رحلت والعراق على يديك تحمله حباً وعشقاً وارثاً حضارياً، وأنك لم تعش حتى ترى العراق يُقتل ويستباح يومياً، مسكوناً بالإرهاب، والعقول المريضة، والمقابر الجماعية، وكل أشكال الموت المجاني، واللغة الشعوبية التي تريد إحياء قوميتها على حساب قومية العراق العروبية. أيها الرائع.. نتذكر قولك "الا يامنزل الأكفان، سقتك الحيا سحبُ تروّي قبري الظمآن، تلثمه وتنتحبُ!" لا سحب ولا نماء، ولا خصب في العراق، بل فيه وجع.