سعدت كثيراً بحضور محاضرة أخي الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في نادي جده الأدبي يوم الثلاثاء 29/10/1432 ه عن "مجلس الوكلاء في مكةالمكرمة : نواة السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) في عهد الملك عبد العزيز" وسعدت أكثر بالمداخلات التي أعقبت إلقاء المحاضر محاضرته القيمة تلك.. وإن بدت لي الكثير من الملاحظات عليها.. ومنذ فترة طويلة وأنا أتابع الأخ الزميل الشبيلي في عضوية مجلس الشورى منذ إعادة تأسيسه عام 1413ه .. سواء من خلال طروحاته داخل المجلس، أو من خلال محاضراته في خارجه أو من خلال مقالاته التوثيقية حول بعض الرموز المعروفة في بلادنا.. ولاسيما المتوفين منهم .. وكنت أجد في الدكتور خصيصتين هما: دأبه على البحث والاستقصاء وتوثيق المعلومات التي يستند إليها في دراساته وأبحاثه التاريخية الجميلة.. وموضوعيته في التعبير عن آرائه وعرضه لها بأدب جم وبعيد عن الاستفزاز أو الاستثارة.. وقد أكسبته هاتان الخصيصتان احترام القراء والمتابعين والمهنيين على حد سواء .. وإن أخذ عليه البعض إسناد تلك الآراء إلى عملية الاستقراء والاستنباط والملاحظة التي يبديها الآخرون .. مع أن مجرد تبنيه وعرضه لتلك الآراء والأفكار والملاحظات .. بمثل تلك الدقة التي اشتملت عليها أبحاثه ومشاركاته.. تجسد قناعته بها.. وتعبر عن حقيقة مواقفه.. وفي هذه العجالة سوف أذكر بعض تلك المداخلات والاستفسارات والملاحظات فيما يأتي: هل كان مجلس الوكلاء.. نواة للسلطة التنفيذية على مستوى البلاد - كما ذكر المحاضر- أم أنه كان قطاعاً "تشريعياً" لإدارة محلية تخص إقليم الحجاز كما بدا ذلك من تشكيلاته.. واقتصارها على أبناء المنطقة دون مشاركة آخرين من المناطق الأخرى؟ ولماذا توقفت تجربة الانتخابات التي بدأت مع بدء تشكيل المجلس الأهلي بمكةالمكرمة عام 1343ه .. لإدارة شؤون مكةالمكرمة بعد دخول الملك عبد العزيز إليها ..؟ وما هي الظروف التي أدت إلى جمع سلطتي التشريع والتنفيذ في يد مجلس الوكلاء في تلك الفترة المبكرة .. ثم إلى فصل السلطات الثلاث فيما بعد..؟ ولماذا أصبح مجلس الوزراء – في الوقت الراهن- يشارك مجلس الشورى في سلطته التشريعية ( التنظيمية) .. وما مدى تأثير ذلك على أداء المجلس لوظائفه الأساسية المعروفة عالمياً؟ وهل أفرزت المرحلة الحالية الآن حاجة حقيقية إلى إدخال تعديلات جديدة على النظام الأساسي ونظام مجلس الشورى ونظام مجلس الوزراء.. بحيث يتم - في ظل هذا التعديل- تعزيز سلطة مجلس الشورى.. والفصل الدقيق بين السلطات الثلاث .. وتفعيل دور كل سلطة تفعيلاً أكبر..؟! هذه الأسئلة والاستفسارات.. وجدت ردوداً عامة ومقتضبة ومتحفظة من المحاضر.. لأن كلاً منها كان بحاجة إلى تعمق في دراسة الكثير من الوثائق التي تناولها الدكتور الشبيلي أو لمح إلى وجودها في أكثر من جهة ومؤسسة حكومية.. بما فيها مجلس الوزراء.. ووزارة الداخلية.. ودائرة الملك عبد العزيز للتوثيق.. كما تتطلب دراسة متمعنة للظروف التي مرت بها البلاد في مختلف مراحل تكوينها وحتى اليوم.. وبالتالي فإن الحاجة تظل ماسة إلى مثل هذه الدراسات العلمية التأصيلية لفكر الدولة المؤسساتي ومراحل تطوره، سواء من قبل أخي الدكتور الشبيلي أو من قبل المتخصصين في علوم السياسة والإدارة والتاريخ السياسي والقانون الدستوري حتى نضيف إلى المكتبة السعودية ما يثري ويفيد.. وحتى نبقي أجيالنا المتعاقبة على تواصل دائم مع بعضها البعض، وحتى نحقق بذلك الأمانة العلمية الكاملة.. وحتى نفتح آفاقاً جديدة للأجيال القادمة لكي تكمل هذا المشوار المبارك.. وتغنيه.. وإذا كان هناك ما أحزنني كثيراً.. بعد أن حضرت هذه المحاضرة القيمة وتابعت ما دار فيها.. فهو "تبعثر" الوثائق الهامة وتوزعها في أكثر من جهة ومؤسسة حكومية كما سبقت الإشارة إلى ذلك.. وكمتخصص في علم المكتبات والمعلومات.. فإنني أقول.. إن جميع الوثائق المتصلة بالدولة والمجتمعات ليس لها إلا مكان واحد.. هذا المكان هو "المكتبة الوطنية" باعتبارها المكنز الوحيد الذي يؤول إليه تاريخ أي بلد مكتوب.. أو مخطوط أو مطبوع ..أو مرئي.. أو مسموع.. أو ممغنط.. تماماً كما هو حال "مكتبة الكونجرس" الأمريكية.. و"مكتبة المتحف الوطني البريطاني" وجميع المكتبات الوطنية في دول العام كافة.. صحيح أن لدينا مكتبة وطنية في الرياض.. وصحيح أن الاهتمام بها وإن بدا متأخراً.. إلا أنه أصبح موجوداً الآن.. لكن الأكثر صحة هو .. أن العديد من أجهزة الدولة.. والمكتبات الأخرى مازالت تنازع المكتبة الوطنية في وظائفها الأساسية.. بل وتتقدم عليها.. وتحصل على الكثير من الدعم الذي لا تحصل عليه المكتبة الوطنية الوحيدة.. وإذا نحن أردنا تصحيح هذا الوضع.. فإن علينا أن نعيد النظر في وضع المكتبات والوثائق في البلاد.. وأن تعطى المكتبة الوطنية كافة حقوقها وأن نراجع كتابة نظامها.. وأن نأتي بكل وثائق الدولة والمجتمع إليها.. وأن نجعل منها مصدراً وحيداً للمعلومة التاريخية.. والسياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية.. كما هو حال وظائف المكتبات الوطنية في العالم .. وإلا فإننا نخطئ بحق تاريخ هذه البلاد وثرواتها الحقيقية كثيراً *** ضمير مستتر [** من لا تاريخ له.. لا ذاكرة له.. ومن لا ذاكرة له .. فلا مستقبل له ]