نحن اليوم أمام تحد كبير ليس من اجل المرأة فقط بل من اجل تحسين صورتها التي شوهها الفكر المجتمعي وجعلها بلا استقلال فكري يحميها !!!!، المرأة اليوم بحاجة إلى منظمات اجتماعية تدافع عن حقوقها وليست بحاجة إلى تكريس تبعيتها لأحد لا يمين ولا يسار ظلّت المرأة السعودية خلال العقود الماضية وهي تشكل محوراً مهماً في الحراك الاجتماعي فقد اعتبرها البعض مفتاحا للتغيير بينما اعتبرها البعض الآخر باباً يجب أن يكون موصداً لحماية المجتمع.. وقد استمر الصراع محتدما حول وجود المرأة في المجتمع حتى انك لا تستطيع أن تقدم تعريفا دقيقا عن المرأة السعودية ودورها في المجتمع كما تفعل المجتمعات الأخرى. لقد ساهم هذا الارتباك في غياب دور المرأة حتى كمربية، واختفت من التراث الاجتماعي الأدوار المميزة للمرأة وهذا على عكس ما كان يروى في تاريخ مجتمعنا حيث يحتفظ التاريخ الاجتماعي خصيصا بالكثير من البطولات التربوية والاجتماعية للمرأة التي لم يخجل التاريخ المجتمعي عن ذكرها. وخلال العقود الخمسة الماضية شاهدنا انحسارا كبيرا في دور المرأة الاجتماعي، وأصبحت المرأة، وبشكل تدريجي، عورة اجتماعية يصعب الحديث عنها، وتبلورت صورة المرأة في إطار الفكر المسيطر، وتتحمل ظاهرة الصحوة كما يطلق عليها هذه المسؤولية فكل أدبيات الصحوة التي ورثناها جعلت المرأة على صورة سلبية فيما يخص الذنوب والعقاب، وكرست الأفكار التي استثمرت بعض مؤشرات التراث بشكل سلبي ، ولقد مررنا بزمن ولا أعتقد أننا نفتقد مثيله اليوم ونحن نرى من يصور لنا النار وكأن سكانها فقط من النساء وليس الرجال. الخطاب الاجتماعي الذي ساد خلال العقود الخمسة الماضية بشكل تدريجي وتصاعدت حدته بين الثمانينيات والتسعينيات الميلادية اوجد فصلا كبيرا بين الرجال والنساء، وأصبح المجتمع يعاني من مظهر الذكورية ما يعتبر مخالفا لطبيعة البشر، وتم إضعاف دور المرأة بشكل خطير حتى وجدت المرأة نفسها في عزلة تامة يفرض عليها الذكور خطابهم، ويتعاملون معها وفقا لأفكارهم كرجال. وكنتيجة لهذا الفصل الفكري الذي لم يكن مسرحه الشارع أو الحوارات الثقافية بل كان مسرحه المنزل ولعل السبب في ذلك أن المجتمع لم يرضَ فقط بعزل المرأة وحجرها في زاوية ولاية الذكر بطريقة مُطلقة بل تعدى ذلك أن المرأة في المجتمع تعرضت بجانب ذلك إلى حرب من الخطاب الاجتماعي بينما هي قابعة في منزلها لا تستطيع التحرك أو الاستقلال أو الدفاع حتى في ابسط قضاياها. الخطاب الفكري والوعظي في المجتمع لم يترك لها الفرصة لهذه العزلة أو الدخول في سرداب الحياة بل ظل يهاجمها ويعتبرها أساسا محتملا لخلل اجتماعي، وبمتابعة دقيقة لأكثر من مئات الكتب التي أُنتجت خلال العقود الثلاثة الماضية عبر التيارات الفكرية لم يخلُ كتاب أو خطبة أو موعظة من تصوير المرأة كأحد اخطر المخلوقات في المجتمع. عندما يعود الأب والشاب والطفل الذكور منهم فقط إلى منازلهم وهم يحملون صورة فكرية تم نقلها لهم في المجتمع بصورة خطابية أو وعظية أو غيرهما من الوسائل عن نسائهم في منازلهم فسوف تتضاعف لديهم الرغبة في ممارسة مزيد من الضغط على نسائهم . وبربط علمي بين علاقة ما يحدث اليوم من مظاهر، وبين ما تم خلال العقود الماضية نستطيع أن نشير إلى أن السبب الرئيس لانتشار مظاهر الطلاق والعنف والإيذاء الجسدي هو أن الرجال أصبحوا يحملون الإجازة من المجتمع لجعل المرأة بهذه الصورة السلبية ولذلك أصبحت لديهم الجرأة على ممارسة كل ما يستطيعون في سبيل تطبيق ما يُدعون إليه عبر الخطاب الاجتماعي. السؤال القادم هو كيف تقبلت المرأة هذا الفكر وبأي طريقة..؟ قلة من النساء من استطعن التخلص من الأفكار السلبية ضدهن ولكن الكثير منهن بقي أسيراً وخاصة في البيئات التقليدية، ومن الطبيعي انه عندما يركز الخطاب الاجتماعي على جعل المرأة مصدرا سلبيا فإنها وبالتأكد سوف تحاول أن تغير هذه الصورة ، ما حدث أن صدقت الكثير من النساء أنهن سبب المشكلات، ولم يكن أمامهن سوى الاستجابة للخطاب الاجتماعي الذي أملى عليهن شروطا قاسية حتى يتمكنّ من تجاوز فكرة أنهن من أصحاب النار. تم الضغط الاجتماعي عليهن وصرنا نلحظ مشاهد تُدين المرأة لم تكن عليها حتى جداتنا نحن الذين عاصرنا مرحلة الصحوة فجداتنا كن يتحدثن مع الرجال في الأحياء وفي السوق بكل قيمهن واحترامهن بينما انقلبت هذه الصورة رأسا على عقب لكون المرأة أُدخلت دائرة الاتهام وحملت كل أخطاء المجتمع وكأنها هي سبب رئيس لكل معاناة المجتمع. لقد ظهرت لدينا النتيجة الحتمية للخطاب الاجتماعي الذي يتحدث عن المرأة فقد أصبح تعليم المرأة فتنة ، وعباءتها فتنة ، وعملها فتنة ، وعضويتها في مجلس الشورى فتنة ، وترشحها للمجلس البلدي فتنة ، وطلاقها فتنة ، وزواجها فتنة ، والحوار معها فتنة ، وسفرها فتنة ، حتى أصبحت الصورة كارثية عن المرأة التي يقول عنها خادم الحرمين حفظه الله (المرأة هي أمي وأختي وابنتي ..الخ). في المقابل لم يكن العنف ضدها فتنة، ولم يكن زواجها وهي قاصر فتنة، ولم تكن قضايا تكافؤ النسب فتنة ، ولم يكن فقرها بسبب عدم السماح لها بالعمل فتنة..الخ ولا اعلم لماذا..؟!! الصورة التي نراها اليوم تحتاج إلى كثير جهد لإزالتها حيث اختلطت القضايا الفكرية بالاجتماعية بالعادات بالشرعية في تحديد دور المرأة التي قطعت من التاريخ الاجتماعي في مجتمعي خلال العقود الماضية بشكل مريب ورهيب، ولا اعلم حتى اليوم من المستفيد من ذلك سوى أن هذا المجتمع سوف يعاني كثيرا من معرفة دور المرأة في البشرية كلها وليس في مجتمعه ، فالمرأة والرجل لا فرق بينهما في مسارات الحياة التي تقتضي أن تشارك المرأة الرجل فيها ما لم يكن هناك نص شرعي يحظى بالاتفاق والتأييد وليس رأيا أحاديا. نحن اليوم أمام تحد كبير ليس من اجل المرأة فقط بل من اجل تحسين صورتها التي شوهها الفكر المجتمعي وجعلها بلا استقلال فكري يحميها !!!!، المرأة اليوم بحاجة إلى منظمات اجتماعية تدافع عن حقوقها وليست بحاجة إلى تكريس تبعيتها لأحد لا يمين ولا يسار. لقد اكتشف المجتمع مؤخرا أن الذين يدافعون عن نيل المرأة لحقوقها، ويرغبون في تكميم دورها الاجتماعي يفعلون ذلك ليس بسبب موقفهم الفكري ولكنهم يحاولون أن يستعينوا بالمجتمع على تلك التحولات التي تحدث في منازلهم المليئة بالبنات والزوجات اللائي لم يعدن كما السابق يسلّمن بكل ما يقال لهن .. معظم الذين يحاربون من أجل التأكيد أن المرأة فتنة هم يواجهون كثيرا من المشكلات في محيطهم الأسري حيث الرغبة بمزيد من الحقوق من نسائهم. التغيير يحدث والتغيير يبدأ من هنا،، والتاريخ هو خير الدروس التي تتعلم منها المجتمعات وقد يؤجل الاعتراض تحولا اجتماعيا ولكنه لا يستطيع منعه للأبد ولكي ادرك أهمية هذه القاعدة التاريخية فقد تصفحت كتابا قديام حول المرأة في أوربا يسجل وبشكل تاريخي التحولات الني حدثت للمرأة الأوربية بين عامي 1789 – 1945 م ولفت نظري عبارة قيلت في عهد الملكة فكتوريا خلال القرن التاسع عشر هذه العبارة تقول وبحسب ترجمتي الخاصة "الحياة في مجتمعنا تتغير " تذكروا هذه العبارة جيدا. وبعد أكثر من قرن من الزمان أقول لمجتمعي الذي أحبه ولا أريد له أن يتكسر فوق مطرقة التغيير إن الحياة في مجتمعنا تتغير فإما أن نتغير نحن من اجل المجتمع وحفاظا عليه بالطرق التي نريدها، أو نترك المجتمع يغيرنا بطريقته وعندها فقط لن يكون لنا خيار في طرح استشاراتنا عليه بل سيتجاوزنا بلا توقف ودون استئذان.