لا على مستوى الحدث ولا بتوصيف المناخ. ليعذرنا الخريف لم تفده حتى وساطات سهيل الدائمة. مضى عقدان فيعود إلي بعض سنيهما. بعض حنين متكسر. وبعض زحام من الأزمنة. تغيب وتأتي الأمكنة. رغبات الطفولة وحماسات المراهقة. اختبار المشاعر موسيقى متوترة. كأنه التوتر نغمة مستمرة. كتابة في الليل وموعد المعرفة البصري.. تحضر لهذا الخريف بعض مقاطع لأغنيات حناجرها عابرة كما لمشاهد من أفلام منسية لم تعد تدرجها المحطات ولا ترغمها مصالح استنفاع منتجيها. تعود إلي فاطيما وحنجرتها البحوح. صوت جاء فجأة مثل كثير من الأصوات حضر وغاب . كان عقد التسعينات حافلاً بتلك الأصوات الجديدة التي تختبر وجودها وبدايتها وانطلاقها .بعضها ترك أثراً صارخاً مثل ذكرى وأخرى تركت صدى ناعماً مثل رجاء بلمليح. بعضها جاء وذهب لم يترك لنا إلا نسيانه مثل سمية قيصر .. تركت فاطيما أكثر من مجموعة على صدى أعمال ليلى غفران مع سامي حفناوي، وحنان مع خليل مصطفى، وسميرة سعيد مع محمد ضياء، والكبيرة وردة مع صلاح الشرنوبي. اختبارات عديدة للصوت. كانت فرصة الإنتاج متاحة، ولا زالت حتى أصوات الظل أن تأخذ حظها بقدر ما جاءت راحت. صدرت لها أعمال عرفت بها أوائل العقد وختام القرن العشرين « تغير عليا»(1991) ، « وافرض» (1993) ، «تتصور» (1995). ومن المجموعة الثانية أغنية كتبها عوض بدوي، ولحنها صلاح الشرنوبي موضوعها الندم تستعيد نمط الازدواج المقامي والإيقاعي وضعوا هذه الموضوعة في اختبار ليس بسيطاً ولا مركباً بل منساباً وكان الأداء منضبطاً بإحساسه متدفقاً : «غلطة زماني كانت هواك /معقولة أعيش تاني معاك تبقى ابتسامتي فوق شفايفي واشتهيها/تبقى حياتي في إيدي واتلفت عليها.. عشتك غيوم من غير مطر/عشتك فراق من غير سفر آهة قدر غربة مكان/حتى الغنا أنة وتر عشتك بكل ما ليك وفيك شوف كام سنة خليني مرة أحس روحي معشننة..» وأما من المجموعة الثالثة سأنتقي « لحظة وضوحي» كتبها لها فوزي إبراهيم ولحنها رياض الهمشري، وهي تمزج بين موضوعة مركبة من الانتظار والشوق. «ف لحظة وضوحي/بجي لك بروحي وبنسى زماني /ومكاني وجروحي وألاقي سنيني/بتحضن أنيني وبحلم تجيني /ترجَّع لي روحي».. صوت فاطيما لم يعد موجوداً إلا بالذاكرة. جاء وذهب مثل أصوات تأتي وتذهب. بعضها تسرق من النسيان ولا تجيء. بعضها تبقى في الذاكرة حتى لكأنها الذاكرة نفسها مثل ذكرى. تكاثرت الأصوات . غنت الكثير. بعضها تعثر لكن استمر . وبعضها الآخر لا زال يقاتل . بقي من هذه الدفعة أنغام وأصالة. برغم الرتابة التي جنت على أداء أنغام، والغرائزية الوحشية في أداء أصالة. نذكر بين مرة وأخرى أصواتاً مرت نهاية القرن العشرين وأخلت الزمن لهما.