لم تعد مسافة الأماكن النائية والبعيدة هي التي تشغل بال المعلمين والمعلمات الجدد، بل إن الأزمة الكبرى تنصب في تأمين مسكن قريب لمكان العمل، أو التنازل عن قرب المسافة في حال إيجاد شقق مفروشة بأسعار معقولة، حيث يعاني المعلمون من تجاهل صريح فيما يخص توفير السكن، الأمر الذي يجعلهم يدفعون ضريبة "جشع أهل العقار" حين يرفعون الأسعار دون مبرر يذكر!. لقد سببت هذه الأزمة معاناة لدى الكثير من المعلمين، والذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على تجاوز المشكلة، بل ولا حتى إيجاد حلول مؤقتة، مما ساهم في تراجع عدداً منهم وخصوصاً المعلمين الجدد عن استكمال إجراءات التعيين، بعد أن فشلوا في معالجة قضية السكن المستعصية، والتي أرهقت أبدانهم وأجهدت تفكيرهم. "الرياض" تطرح الموضوع لمعرفة الصعوبات التي تواجه المعلمين والمعلمات الجدد، والطرق التي من شأنها التقليل من المشكلة. مبالغ هائلة ولجأ الكثير من المعلمين إلى الاستدانة في بعض الأحيان للسكن في أماكن تليق بهم كتربويين، فضلاً عن دفع مبالغ هائلة على مساكن لا تستحق نصف المبلغ الذي صرف لها، وهذا ما أكده "محسن العوفي" حين عجز عن مواكبة الإيجار المرتفع الذي لا يتناسب مع وضعه المادي، مما اضطره إلى السكن مع زملائه الأربعة في إحدى الشقق المفروشة غير المؤهلة للسكن أصلاً، مبيناً أن بقاءه لن يدوم طويلاً إن لم تتحرك الجهات المعنية وتستعيد للمعلّم كرامته وحقه في إيجاد مكان ملائم للسكن، دون استغفال واستغلال من قبل المستثمرين الذين لم يرحموا من قبلهم الشباب العاطلين حتى يرحموا الموظفين. للأسر فقط وأوضح المعلّم "أحمد الطيار" أنه بعد أن تم نقله إلى مدينة الرياض لم يكن يرى حينها مسألة السكن أزمة حقيقية، فمع مدينة كبيرة مثل العاصمة لم يكن يخطر في بالي أنني سأواجه صعوبة في السكن، مضيفاً أن الصدمة التي لم يكن يتوقعها هي عندما لم يجد قبولاً من قبل أصحاب الشقق المفروشة لاستئجار إحداها، بحجة أنها شقق خُصصت للأسر، الأمر الذي سجل تراجعاً كبيراً في إيجاد شقق للعزاب وارتفاع أسعارها، لافتاً إلى أنه برغم سوئها وتهالك بنيتها، إلاّ أنه وجد نفسه وزملاءه مضطرين لدفع قيمة إيجار شقة رديئة وقديمة تنفر منها العوائل لاستحالة السكنى فيها!. هدر الطاقات وأكد المعلم "هادي النفيعي" على أنه واجه معاناة كبيرة وزملاؤه الذين تم تعيينهم في إحدى القرى البعيدة، والتي تنقصها الحاجة الأساسية للاستقرار، مضيفاً أنهم أولوا اهتمامهم وجهدهم بالكامل لمحاولة إيجاد شقة مناسبة للإيجار، ففي مثل تلك القرى يكون السكن صعباً، الأمر الذي يجبرهم على السفر بشكل يومي ذهاباً وإياباً من وإلى القرية لمئات الكيلومترات، مما أهدر كثيراً من طاقاتهم وجهدهم وتفكيرهم، بل وأوقاتهم، حيث يؤدي ذلك إلى تعطيل كفاءة المعلم في أدائه لأدوار العمل المختلفة، متمنياً أن تولي الجهات المسؤولة موضوع سكن المعلمين الأهمية القصوى، مع وضع الخطط لتوفير السكن لهم، إما عن طريق إيجاد وحدات سكنية خاصة بالمعلمين في جميع المناطق والمدن والقرى والهجر، أو إعادة النظر في حركة نقل المعلمين والمعلمات وتعيينهم في مناطقهم قدر المستطاع لتكفيهم همّ المسافة والسكن. ضغوط نفسية وتساءلت المعلمة "بدرية عبدالله": لماذا يطلبون منا إثبات سكن في مناطق لم نختارها؟، والأدهى من ذلك أنه بعد تقديم إثبات السكن نفاجأ بإيقاف صرف "بدل السكن"؛ بحجة امتلاك ما يثبت إقامتهن في المنطقة!، مضيفةً أنها تعاني كغيرها من المعلمات الجديدات في قضية الإسكان، حيث تؤكد أن وحدات سكن المعلمات المتوفرة في المنطقة تشترط السكن لوحدها دون زوجها وأبنائها، الأمر الذي اضطرها إلى دفع "مقدم شهرين" قيمة إيجار شقة بالكاد تكفيها وأبناءها الذين نقلتهم إلى مدارس المنطقة، لافتةً إلى أنها على الرغم من أنها لم تباشر العمل في المدرسة بعد لعدم صدور قرار المباشرة للعمل، إلاّ أن أصحاب الشقق استغلوا حاجتها للاستقرار واشترطوا دفع مقدم شهرين لحجز الشقة وتأمين المسكن، ذاكرةً أنه بعد إنهاء تأثيث الشقة بمبلغ (15) ألف ريال، وجدت نفسها أمام أزمة أخرى ما بين مصاريف الدراسة والأبناء وغربة الزوج والأهل والضغوط النفسية، مع التأكيد أن قرار مباشرتها للعمل لم يصدر بعد!. قضية مرهقة وقالت "أمل إبراهيم": إن هناك أكثر من (70) متقدمة لإحدى إدارات شؤون المعلمات التابعة للمنطقة التي عُيّنت فيها، تم استبعادهن بحجة عدم إثبات شرط الإقامة في المنطقة، وهذه قضية شائكة ومرهقة قد تستدعي تدخّل المحسوبيات، أو ربما تدفع المتقدمات إلى محاولات التحايل في عملية إثبات السكن، الأمر الذي قد يضيّع الفرصة على العديد من المرشحات المستحقات فعلياً لعملية التعيين، مضيفةً أنه إذا كان الهدف من هذا القرار هو التقليل من تنقلات المعلمات بين المدن والمناطق، فأنا إحدى المعلمات التي عيّنت خارج منطقتي بعيداً عن زوجي وأهلي بعد أن قدمت إثبات الإقامة، مشيرةً إلى أن سكن المعلمات يبعد قرابة (250كم) عن مكان العمل، مما اضطرها إلى استئجار شقة مفروشة بقيمة (2000) ريال في الشهر، إضافةً إلى مبالغ النقل الأسبوعي من وإلى منزلها في مدينتها الأساسية لزيارة زوجها وأبنائها نهاية كل أسبوع، مؤكدةً على أنها لن تتنازل عن حقها الوظيفي مهما أنغصت حياتها الغربة والمصروفات والتنقلات، حتى يتم حل هذه الأزمة بتعجيل صدور حركة النقل للمعلمات.