يبدو أن زحمة الأعمال وكثرة المشاغل لم تترك لنا فرصة للتفكير في غير الأعمال التي نقوم بها ؛ مما جعل البعض منا ينسى نفسه ومستقبله فلم نعد نجد الوقت الكافي للتفكير في شخصيتنا وما يتعلق بها من جوانب عائلية أو مهنية أو مالية وغيرها ، ناهيك عن البحث في آليات وأدوات تمكننا من التوازن بين متطلبات هذه الحياة ، وقد يصل بنا الحال أحيانا إلى أن نكون كحب يتدحرج بغير إرادته ووعه بين طبقات الرحى. وبينما تعتمد المؤسسات والشركات والجهات الرسمية على الإدارة الإستراتيجية لمساعدتها في وضع خططها المستقبلية ورسم رؤية بعيدة المدى تمكنها من التوازن بين مواردها وإمكانياتها المختلفة لتحقق الأهداف التي من اجلها أسست وقامت تلك المؤسسات والشركات ؛ يعتقد البعض خطأ أن الاستراتيجيات موضوع يخص تلك المؤسسات والشركات والجهات الرسمية فقط ولا علاقة له بحياتنا الشخصية ، بل ان السؤال عن إستراتيجية شخصية لدى البعض سؤال في غير محله !! وننسى أحيانا أو نتجاهل أن حياتنا بجميع جوانبها مترابطة بشكل يصعب الفكاك منه. ونتجاهل في أحيان أخرى أن مستقبلنا المالي والأسري والمهني وحتى الوظيفي إنما هو انعكاس مباشر لرؤيتنا وطموحاتنا وأفكارنا الشخصية والتي نسعى بكل جد واجتهاد لتحقيقها على الرغم من تداخلها وتعقيداتها. وهناك من يعتقد أيضا انه لا علاقة بين حياتنا الشخصية وما نقوم به من أعمال أخرى سواء على مستوى الاسرة أو الأصدقاء أو العمل أو المجتمع بأسره وننسى أننا محور الارتكاز وحلقة الوصل في هذه الأعمال كلها . وكل ما في الأمر أن هناك من يدرك إستراتيجيته الشخصية ويحاول أن يعيد صياغتها بين فترة وأخرى وهناك من لم يدرك أن تصرفاته التي تأتي كردود أفعال لما يحدث حوله من تصرفات الآخرين ومتغيرات الحياة يمكن أن تقوده إلى حيث لا يريد. بينما هناك في الطرف الآخر البعيد فيوجد من ليس لديه حتى وجهة نظر. لاشك أن المستقبل علمه عند الله ولكننا نحن من يرسم هذا المستقبل لأنفسنا، نحن من يحدد ملامح مستقبلنا بأعمالنا، وبقدر ما نعمل على تحقيق أهدافنا فإنها ستتحقق بإذن الله تعالى. فهي إذاً الإرادة والبصيرة ، ارادة تحتاج منا إلى عزيمة صادقه على العمل ، وبصيرة نتعلمها من خلال إلقاء الضوء على جوانب من آليات وأدوات رسم الإستراتيجية الشخصية. ولعل طرح سؤال واحد في صميم الموضوع أهم بكثير من عدد كبير من الإجابات التي لا علاقة لها بذلك. ومن التساؤلات التي من شأنها توضيح المقصود بالإستراتيجية الشخصية ؛ هل تعاملنا مع متغيرات الحياة من حولنا يتم بطريقة عفوية مبنية على ردود أفعال غير مدروسة؛ وهل لدينا رؤية واضحة لمستقبلنا بكل جوانبه ، وما مدى التوازن الذي نحتاجه بين متطلبات مستقبلنا ، وكيف لنا أن نضع أهدافا نستطيع أن نحققها لتمكننا من العيش بالطريقة التي نرغب فيها وكيف يمكن أن نوازن بين ما هو ضروري وما هو ممكن؟ سيكون للإستراتيجية الشخصية والإجابة على مثل هذه التساؤلات نصيب من هذه الزاوية نطرحها بين الحين والآخر لتكون جزءا متمازجا مع ما نناقشه حول استراتيجيات الأعمال بإذن الله تعالى. * إدارة إستراتيجية وتسويق كلية إدارة الأعمال – جامعة الملك سعود