تحفيز بيئة الاستثمار لزيادة معدلاته يمثل عنصراً أساسياً في استدامة التنمية وتنويع القاعدة الاقتصادية، فضلاً عن أهمية ذلك في تحويل الميزات النسبية للحيز المكاني الذي يستقطب تلك الاستثمارات إلى ميزات تنافسية مع غيره من الأقطاب الأخرى، وتوفر التمويل الميسر المتوسط والطويل الأجل يعد أحد الحوافز التي تقدم للمستثمرين بوجه عام، لا سيما في ظل هيمنة ائتمان مصرفي قصير الأجل واستحواذه على حصة كبيرة من عمليات الإقراض، فوجود مثل هذا النوع من مصادر التمويل للقطاع الصناعي في المملكة على سبيل المثال كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت دوراً مهماً في نمو هذا القطاع التنموي، الذي أضحت مساهمته في الناتج الإجمالي الوطني تتجاوز 12% من خلال أداء أكثر من أربعة آلاف مصنع منتج في مختلف الأنشطة بالمملكة يعمل على خطوط الإنتاج بها نحو ستمائة ألف عامل، يمثل السعوديون منهم نسبة 24%، حيث استطاعت مؤسسة تمويل حكومية هي صندوق التنمية الصناعية من أن تسهم بدور أساسي منذ قيامها في إنشاء خمسين في المائة من تلك المصانع، إضافة إلى دور صندوق الإستثمارات العامة والبنوك التجارية التي لا تغفل في هذا المجال. ومما هو ملاحظ أن حجم النشاط الاستثماري في مناطق المملكة يرتبط في الغالب بالخصائص الطبيعية والاقتصادية للحيز المكاني الذي تمارس ضمن إطاره هذه الأنشطة، لذا تشير الإحصاءات إلى تركز معظم الأنشطة الاستثمارية للقطاع الخاص في المراكز الحضرية الكبرى بمناطق المملكة حيث تستحوذ منطقة الرياض ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية على نحو 74% من إجمالي عدد المؤسسات الاستثمارية العاملة محلياً، التي تبلغ نحو سبعمائة ألف مؤسسة، كما تظهر مؤشرات توزيع النشاط الصناعي لهذه المؤسسات الاستثمارية تمحورها كذلك في تلك المناطق الثلاث، فهي تستقطب ما نسبته 86% من إجمالي المصانع في المملكة، ويبين كذلك مؤشر عدد الوظائف الصناعية لكل عشرة آلاف نسمة من السكان بالمملكة أنه يبلغ متوسط تلك الوظائف في المناطق الثلاث المشار إليها نحو 270 وظيفة، فيما ينخفض هذا المعدل بشكل حاد في معظم باقي المناطق ليصل متوسطه إلى 27 وظيفة، من ذلك تظهر أهمية قرار مجلس الوزراء الأخير بتعديل بعض مواد صندوق التنمية الصناعية لتتضمن حوافز إضافية يستفيد منها المستثمرون في المناطق الأقل نمواً فيما يتعلق بالقروض التي يقدمها الصندوق. ما تجدر الالتفاتة إليه في هذا الشأن هو التباين الذي يتفاوت في درجة اتساعه لبعض الصناعات بين متطلباتها التمويلية من جهه وما توفره من فرص عمل من جهة أخرى، والذي ينسب عادة إلى طبيعة ذلك النشاط الصناعي من حيث كثافة رأس المال، أو استخدام العنصر البشري، فعلى سبيل المثال تستحوذ صناعة تكرير النفط في المملكة على نسبة يزيد مقدارها على 40% من إجمالي التمويل الصناعي الحالي، لكنها في ذات الوقت لا توظف سوى 4% فقط من العمالة الصناعية القائمة بسبب أنها صناعة كثيفة الإستخدام لرأس المال، في مقابل ذلك تقتطع الصناعات التحويلية المختلفة نحو 46% من إجمالي التمويل الصناعي في المملكة، إلا أنها تستوعب نسبة 93% من الأيدي العاملة في القطاع الصناعي، نظراً لكثافة استخدامها للعنصر البشري في أنشطتها الصناعية، فهل يؤخذ ذلك في الاعتبار عند النظر في طلبات رفع نسبة التمويل للقروض من صندوق التنمية العقارية في المناطق أو المدن الأقل نمواً، وكذلك في زيادة مدة استيفاء قيمة تلك القروض..؟