لم يستطع المتحاورون الفلسطينيون والاسرائيليون اخفاء الكم الهائل من الخلافات في مواقفهم، في جلسة «الخطوة التالية للسلام» التي عقدت في اليوم الاخير من اعمال المنتدى الاقتصادي العالمي على شاطئ البحر الميت وتحولت الجلسة الى مبارزة في الكلمات ومبادلة في القاء كل طرف اللوم على الاخر، فالفلسطينيون ينظرون الى ما بعد غزة وصولا الى اقامة دولتهم المستقلة في حين تمترس الجانب الاسرائيلي عند حدود الامن وتهويل مخاطر الانسحاب من غزة . فرغم ان نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت حاول في بداية الجلسة كسب الاجواء مبكرا بعبارات وصف خلالها الاجواء الحميمية التي تجمع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني في غرف المفاوضات المغلقة التي تصل حد العناق، الا ان وزير الشؤون المدنية الفلسطيني محمد دحلان اخذ زمام المبادرة سريعا قائلا «ان نوعا من الحميمية قد تنشأ بين السجان وسجينه» ملقيا الكرة مرة اخرى الى الملعب الاسرائيلي بان اسرائيل تملك مفتاح الحل اولا واخيرا . وكان ما يلطف الاجواء لبعض الوقت تلك المداخلات التي اتت من بقية المشاركين في الجلسة مثل وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط ومساعد وزير الخارجية الروسي اللذين ابديا حرارة على وجه خاص ازاء اغتنام الفرصة التي وفرتها تفاهمات شرم الشيخ للانتقال من البعد الامني الى المسار السياسي الذي يعيد مسيرة السلام الفلسطينية الاسرائيلية الى مسارها الصحيح . دحلان برز بقوة وهو ينزع لغة الذرائع الاسرائيلية التي اطلقها كل من اولمرت وسيلفان شالوم خاصة فيما يخص حديثهم عن الامن وضرورة وفاء السلطة الفلسطينية بالتزماتها في هذه ا لناحية اذ قال «عندما كنت وزيرا للداخلية لم اعجب احدا لا الفلسطينين ولا الاسرائيلين ولا الامريكيين» لكنه اضاف ان السلطة اخذت اجراءات مرضية للسيطرة على الوضع الامني رغم الدمار الشامل الذي الحقته اسرائيل بالمستوى الامني الفلسطيني بشريا وماديا ومنعها اعادة بناء تلك القدرات مجددا وكمثال على ذلك رفضها ادخال خمسين مصفحة صغيرة روسية للمساعدة في اعادة بناء اجهزة الامن الفلسطينية». وعندما حاول وزير الخارجية الاسرائيلي شالوم ادخال حماس الى حلبة الاتهام بالارهاب مجددا بقوله «ان نجاح خطوة الانسحاب من غزة مرهون بتصرفات حماس وعدم رشقنا بصواريخها» خاطب دحلان الحضور متعددي المشارب والجنسيات «دعوني اوضح ان صورايخ حماس الذي يتحدث عنها شالوم هي قطع بدائية حتى لاتتصوروا انه من نوع توما هوك مثلا وعلى اي حال نحن نرفض ما تقوم بها حماس من اطلاقها على المدن الاسرائيلية». نائب رئيس الوزراء الفلسطيني دعا الى الخرج من دائرة الاتهام المتبادل الى طرح العودة الى مائدة المفاوضات والخوض في قضايا الوضع النهائي اذا ما كانت هناك جدية لدى الجانب الاسرائيلي خصوصا في ايصال عملية السلام الى غاياتها المنشودة . وعودة الى سياق الجلسة فقد دعا اولمرت الى ادامة الصلة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وترجمة هذا الشعور الى واقع على الارض في معالجة القضايا المطروحة بين الجانبين في حين قال دحلان إن الخلل يقع على وجه الخصوص لدى المستوى السياسي في الجانبين مؤكدا ان لغة المشاعر لاتكفي فالحل بيد الطرف الاسرائيلي والفلسطينون يستطيعون تقديم المساعدة في هذا الاتجاه . واعرب نائب وزير الخارجية الروسي سلطانوف عن اعتقاده ان الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي قطعا خطوات ايجابية بعد قمة شرم الشيخ باتجاه اعادة احياء عملية السلام لافتا في الوقت ذاته ان التراجع سيلحق بالتفاهمات التي صدرت عن القمة اذا لم يتم التحرك لدفعها مجددا لاسيما بمساعدة الاطراف الاخرى كاللجنة الرباعية والدول المعنية بعملية السلام والتي تضم كل الاطراف المؤثرة . وتطرق نائب رئيس الوزراء الفلسطيني نبيل شعث الى ماقامت به السلطة الفلسطينية من اصلاحات سياسية وامنية بخلق قيادة امنية جديدة تعيقها منع اسرائيل اعادة بناء القدرات الامنية الفلسطينية مؤكدا ان هدف السلطة في هذه الاجراءات لن يكون لنقل الحرب مع اسرائيل لاشعالها في الداخل الفلسطيني. وقال ان حماس حركة لها تمثيلها الواسع في المجتمع الفلسطيني وان محددات التعامل معها هو الخيار الديمقراطي والالتزام بهذا الخيار في اطار وقف اطلاق النار والمصلحة الفلسطينية العليا وهي ليست بعيدة عن المشاركة في المستقبل السياسي الفلسطيني . وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم اكد ان لاتراجع في اسرائيل عن تاريخ الخامس عشر من اب المقبل كموعد للبدء بتنفيذ خطة الانسحاب من غزة مستعرضا صعوباتها على الوضع الداخلي الاسرائيلي ورافضا مقارنتها بالانسحاب من سيناء لكنه شدد ان القرار يعود الى الحكومة والبرلمان في اشارة واضحة الى المعارضة القادمة من المستوطنين والكثير من التيارات في اسرائيل . واشار الى ان التوتر في اسرائيل حيال هذه الخطوة لايعني الوقوف على شفا حرب اهلية بل الحكومة مصممة على تنفيذ الخطوة خلال «6-8» اشهر من بدء تنفيذها في اب المقبل . وحدد وزير الخاريجة المصري ثلاث مسارات ستتبعها مصر للمساعدة في تنفيذ خطة الانسحاب من غزة كجزء من عملية السلام وهي العمل مع الفلسطينين لاعادة بناء قدراتهم الامنية لحماية غزة وحدودها مع مصر وطمأنة الجانب الاسرائيلي ان حدودها مع مصر آمنة مبديا استعداد مصر لنشر عدد كاف من قواتها لحماية تلك الحدود من اي خروقات ثم العمل مع اللجنة الرباعية لضما ن زخم جدي وفاعل لاستكمال عملية السلام لمسارها الطبيعي . كما ناقشت الجلسة الآفاق الاقتصادية لغزة ما بعد الانسحاب اذ القى اولمرت الكرة الى ملعب المجتمع الدولي في انعاش الاقتصاد الفلسطيني، وأخلى مسؤولية إسرائيل في تطوير القطاع بقوله إن بإمكان الفلسطينيين أن يفعلوا ما يشاءون بعد ثلاثة أشهر «موعد الانسحاب». غير أن الرد الفلسطيني كان واضحا وفاضحا للمبررات الاسرائيلية، على لسان دحلان، الذي تساءل «عن أي بداية يمكن أن نتحدث في الوقت الذي لا نستطيع نحن الفلسطينيين تقرير مصيرنا(...) إذ أن إسرائيل هي التي تحدد مصيرنا حتى هذه اللحظة». وتمنى دحلان أن تكون العقلية والروحية اللتين يتحدث بهما «أولمرت» موجودة لدى القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية. ووضع على الطاولة بوضوح المطالب الفلسطينية من الإسرائيليين، وهي: «ممر آمن بين غزة والضفة الغربية، وعبور آمن إلى إسرائيل ومصر وإعادة تشغيل المطار وتأمين انسياب حركة البضائع والأشخاص من مستثمرين وعمالة». وزاد شعث على قول دحلان بدعوة إسرائيل إلى أن تفتح الحدود ويفكوا الحصار عن الضفة الغربية والمزيد من الانسحابات والإخلاءات تنفيذا لتفاهمات شرم الشيخ وخريطة الطريق وأن «دعوا الناس يشعرون بالأمل».