مما لاشك فيه أن النقد المواكب للقصيدة المعاصرة بعد الألفية على مستوى الشعر لايمكن بأي حالٍ من الأحوال مقارنته بما كان عليه في الثمانينات من العقد المنصرم وكأنه في هذا يتماهى مع الأزمة الكبرى التي يمر بها الشعر في العالم العربي والذي يعد الناقد أحد أطرافها الثلاثة، فهناك أزمة شاعر وأزمة متلقي وكذلك أزمة ناقد، فالواضح أن كثرة ما ينتج من شعر هذه الأيام إلى درجة تتطلب من الناقد جهداً كبيراً لمتابعته من أهم مظاهر أزمة الشعر المعاصر لاسيما متى ما اعترفنا بأن الإنتاج الرديء يطغى بشكل كبير على الشعر الحقيقي، وحينها فقط سندرك صعوبة عمل الناقد غير المتأني الذي يضطر غالباً إلى الاكتفاء بما يتحصّل عليه من قصائد لشعراء عن طريق اهداءات أو ما شاكل ذلك مما يقع بين يديه مصادفة، ومما يؤسف له أننا نادراً ما نجد بين نقادنا من يسعى بنفسه إلى متابعة الإنتاج الشعري الحديث متابعة جادة خالصة لوجه الشعر ..! وبالنظر إلى الساحة النقدية سنلحظ بوضوح قلة في عدد المتخصصين في نقد الشعر الحديث وفق منهج أو رؤية نقدية علمية واضحة ومحددة، فنقادنا يمكن تصنيفهم إلى مجموعتين الأولى تضم الأساتذة الجامعيين الذين وقع بعضهم في (نقص) المرونة الكافية والإطلالة الحقيقية على المشهد الشعري الراهن كما أن البعض منهم غالباً ما يعتبرون ممارستهم النقدية عملاً ثانوياً لا يطمحون من خلاله إلى أكثر من نشر مقال، أو إصدار كتاب يعززون به وضعهم الأكاديمي (كما يرى ذلك الشاعر نزار بريك في كتابه صوت الجوهر).. أما المجموعة الثانية فتضم النقاد الذين يمكن تسميتهم بالهواة، وهؤلاء وإن كانوا أكثر متابعة للحياة الشعرية من الأكاديميين وأسلم ذوقاً منهم إلا أنهم غالباً ما تعوزهم الأدوات النقدية والرؤيا المنهجية فتأتي نقودهم على الأغلب قاصرة عن استنتاج الرؤى العامة للأفق الشعري، ومشبّعة بالانطباعية. أو القراءة النوعية على أحسن الظنون. ولابد من الإشارة هنا لما يمكن أن نسميه بعقدة الرواد التي تخيِّم على أذهان كثير من النقاد، ناهيك عن خصوصية أشعار العقدين الأخيرين التي تعد أرضاً بكراً للدراسات النقدية ويحتاج هذا الشعر إلى ناقد جاد وصبور يتمتع ببصيرة نفاذة وذوق جمالي عال. وبالتالي بدا لي أن النقد على المستوى الشعري قاصر عن مواكبة هذا المد الإبداعي فيه، وعاجز عن القيام بدوره كشاهدٍ على تجارب العصر وممكِّنا لها في الوقت ذاته في صفحات التاريخ..