سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدرع الصاروخي.. ومستقبل العلاقات الأميركية الروسية واشنطن تعتبره فرصة للتعاون في مواجهة «الصواريخ الباليستية».. وموسكو تراه عودة إلى سياسات الحرب الباردة
أين تتجه العلاقات الأميركية الروسية؟. وهل تشكل قضية الدرع الصاروخي الأميركي، المزمع تشييده في أوروبا، عقبة أمام تطوّر هذه العلاقات؟. ترى الولاياتالمتحدة، أن هذا الدرع ليس عقبة، بل فرصة إضافية للتعاون الروسي الأطلسي، في مواجهة خطر الصواريخ الباليستية.وتحديداً تلك القادمة من الشرق الأوسط. في المقابل، تبدو الصورة مغايرة لدى الروس، حيث يرون في الدرع المقترح حاجزاً أمام ما يصفونه "بإعادة إطلاق" العلاقات الروسية الأطلسية، خاصة مع واشنطن. بل يذهب الروس إلى ما هو أكثر من ذلك، فيعتبرون هذا الدرع نوعاً من العودة إلى سياسات الحرب الباردة. وبين ما تقوله واشنطن وما تفسره موسكو، بدا حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد تقدم خطوة إضافية عندما طرح على الروس المشاركة في الدرع الأميركي الأطلسي، المقرر إقامته في شرق أوروبا. بالطبع، رفض الروس هذا المقترح، معتبرين أنه لا ينهي المخاوف السائدة لديهم، بل يعززها. وبدلاً من ذلك، تقدمت موسكو بطرح يدعو لإقامة درع مشترك، ينهض على رؤية مشتركة للتهديدات، ويدار سوية من قبل روسيا والأطلسي. هذا المقترح، رفضه الأطلسيون، لأسباب تقنية وسياسية. وقد كان من نتاج تعثر بناء رؤية مشتركة، أن هدد الروس بالإنسحاب من معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الهجومية ( ستارت - 2)، كما هددوا بإعادة توجيه صواريخهم النووية نحو أوروبا. وخلال ذلك كله، يستمر التجاذب الروسي الأطلسي.ويبدو مناخ العلاقات السائدة بين روسيا والغرب أشبه بحرب باردة مخففة. - جولة جديدة من المفاوضات: في 12 آب أغسطس 2011، أعلن سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن الجولة الجديدة من المفاوضات الروسية الأميركية، بشأن قضية الدرع الصاروخية في أوروبا، كانت مفيدة. وقد جاءت هذه الإفادة في تصريحات أدلى بها ريابكوف في مدينة بطرسبورغ الروسية، بعد لقائه آلين توشير، مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية، لشؤون الأمن الدولي والرقابة على الأسلحة. وكانت قد سبقت هذا الاجتماع جولة مفاوضات في واشنطن، في تموز يوليو الماضي، طالب خلالها الوفد الروسي بالحصول على ضمانات مكتوبة، تفيد بأن الدرع الصاروخي غير موجه ضد قدرات روسيا النووية الاستراتيجية، أو بالأصح لا يستهدف تحييد هذه القدرات. وكما سبقت الإشارة، تُمثل مسألة الدرع الصاروخي في شرق أوروبا إحدى القضايا الأكثر إشكالية في المناخ الراهن للعلاقات الأميركية الروسية. وفي قرار مصادقته على معاهدة (ستارت- 2)، في 24 كانون الأول ديسمبر 2010، أوضح مجلس الشيوخ الأميركي أن هذه المعاهدة لا تمنع الولاياتالمتحدة، بحال من الأحوال، من تصميم وتطوير منظومة الدرع الصاروخية، المضادة للصواريخ، إن داخل الولاياتالمتحدة أو خارجها. وجاء في نص القرار: أن "معاهدة "ستارت" الجديدة والبيان الروسي الأحادي الجانب، المؤرخ في السابع من نيسان أبريل 2010، بشأن الدفاع المضاد للصواريخ، لا يفرضان قيوداً، ولا يجوز تفسيرهما بأنهما يحدان من النشاط الذي تنوي الحكومة الأميركية القيام به، أو قد تحتاج إليه". وكان البيان الروسي الأحادي الجانب، الصادر بالتزامن مع التوقيع على معاهدة "ستارت - 2"، قد أشار إلى أن مفعول المعاهدة يبقى سارياً طالما أن زيادة قدرة الولاياتالمتحدة في مجال الدفاع المضاد للصواريخ لا تمثل تهديداً لقدرات روسيا على صعيد الصواريخ النووية الإستراتيجية. - مبادرة حلف الناتو: من ناحيته، وجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) دعوة رسمية إلى روسيا للمشاركة في مشروع إنشاء المنظومة الأقليمية للدفاع المضاد للصواريخ، الخاصة بالمنطقة الأوروأطلسية. وقال البيان الختامي، الصادر عن قمة الحلف، المنعقدة في العاصمة البرتغالية لشبونة، في 19 - 20 تشرين الثاني نوفمبر 2010: "نحن قررنا تطوير إمكانية الدرع الصاروخية، بهدف حماية سكان وأراضي وجيوش الدول الأوروبية، المنضوية تحت راية الناتو. وكذلك دعوة روسيا للتعاون معنا بهذا الشأن". وأعرب الناتو عن نيته التعاون مع روسيا في ضمان الأمن في المنطقة الأوروأطلسية، على قاعدة التحديد المشترك والمتكافئ للتهديدات. وقال البيان: "نريد أن نرى علاقات شراكة حقيقية بين الناتو روسيا. وسنسعى للتحرك بما يتماشى مع هذه الغاية، آملين أن تبادلنا روسيا بالمثل". وقد رفضت روسيا العرض الأطلسي هذا. وذهب الرئيس الروسي، دميتري ميدفيديف، إلى حد التصريح بأن ظهور الدرع الصاروخية من جانب واحد (أي من دون مشاركة روسيا) من شأنه أن "يقضي على تكافؤ القوى النووية، والتوازن القائم". كذلك، طرح الروس اقتراحاً آخر، يدعو إلى إنشاء شبكتين مستقلتين ضد الصواريخ الباليستية، مع التعهد في الوقت نفسه بعدم وضع صواريخ اعتراضية ورادارات مضادة عند حدود روسيا مع دول الناتو.وعدم تصويب الصواريخ نحو الطرف الآخر. وعلى صعيد ثالث، ظلت روسيا عند اقتراحها القديم، القاضي بالتعاون مع الولاياتالمتحدة في استخدام محطة رادارات غابالا الروسية، المقامة في جمهورية أذربيجان، في القوقاز الجنوبي. وحسب المصادر الروسية، فإن العسكريين الروس بدأوا مباحثات مع المسؤولين الآذريين، حول تمديد إيجار هذه المحطة، ذلك أن مدة إيجارها سوف تنتهي في السنة القادمة. - إعادة صياغة الدرع الصاروخي: كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد تخلى، في السابع عشر من أيلول سبتمبر 2009، عن الخطط الأميركية الخاصة بنشر درع مضاد للصواريخ في شرق أوروبا، تتشكل حلقته الأرضية من عشرة صواريخ اعتراضية من فئة (GBI)، تقرر نصبها في بولندا، ورادار متقدم تقرر وضعه في جمهورية التشيك. وقبل اكتمال المرحلة الأولى من المنظومة الجديدة، سوف تلتزم الولاياتالمتحدة بالإبقاء على ثلاث سفن حربية في البحر المتوسط وبحر الشمال، مزودة بأنظمة "ايجس"( Aegis Weapon System) المضادة للصواريخ، بهدف الدفاع عن الولاياتالمتحدة وحلفائها. أما المنظومة المتكاملة، المقرر إقامتها، فسوف يجري تشييدها على أربع مراحل، على النحو التالي: في المرحلة الأولى، سوف يجري نصب المنظومات الحالية للدفاع المضاد للصواريخ، بما فيها منظومة (AEGIS)، والصواريخ الاعتراضية من طراز (SM-3 bloсk1A)، بالإضافة إلى محطة رادارية متحركة. وتقضي المرحلة الثانية من المنظومة المتكاملة، أي حتى العام 2015، بنشر النموذج المطوّر للصاروخ السابق وهو (SM-3 bloсk1B)، براً وبحراً، بالإضافة إلى تفعيل العدادات الأكثر تطوراً، وذلك بهدف توسيع المنطقة المحمية من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وتقضي المرحلة الثالثة من المنظومة المتكاملة، أي حتى العام 2018، بنشر صواريخ،(SM-3 bloсk2A)، التي يجري حالياً العمل على تصميمها، والتي ستنشر على سفن القوات البحرية الأميركية، في ثلاث مناطق على أقل تقدير. أما المرحلة الرابعة، أي حتى العام 2020، فتقضي بنشر الصواريخ الاعتراضية من فئة(SM-3 bloсk2B) لتواجه خطر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، إلى جانب الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.ويمكن إطلاق هذه الصواريخ أيضاً من منصات أرضية متنقلة، أي أن ضرب مواقع إطلاقها يُعد أمراً صعباً. اختبار صعب: في الخامس عشر من نيسان أبريل من العام 2011، قال الجيش الأميركي أنه أسقط صاروخاً متوسط المدى فوق المحيط الهادي، في إختبار هو الأصعب، في عمله بشأن الدرع المضاد للصواريخ، المزمع إقامته في شرق أوروبا. وتلك هي التجربة الناجحة الحادية والعشرين، بين 25 تجربة اعتراض تقوم بها أنظمة (AEGIS)، وذلك منذ بدء الاختبارات في العام 2002. وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن هذه التجربة الناجحة للعتاد، الذي تنتجه شركتي لوكهيد مارتن ورايثيون، أظهر أنها ماضية في مسارها لإنجاز المرحلة الأولى من برنامج الدرع المضاد للصواريخ، في شرق أوروبا هذا العام، كما هو مقرراً في الأصل. ووفقاً لوكالة الدفاع الصاروخي، التابعة للبنتاغون، فإن التجربة، التي أجريت غربي هاواي، كانت الأولى التي يستخدم فيها نظام (AEGIS) المحمول على السفن، في اعتراض هدف يزيد مداه على ثلاثة الآف كيلومتر.وكانت تجارب الاعتراض السابقة، التي أدخل فيها نظام (AEGIS) تتضمن صواريخ أقصر مدى. في الوقت ذاته، يُعد هذا أيضاً أول اختبار لأنظمة (AEGIS)، اعتماداً على بيانات لتعقب الصواريخ، يتم جمعها من خلال محطة رادار برية. - وضع البحر الأسود: وبالعودة إلى مواقف روسيا من الدرع الصاروخي الأميركي (أو الأطلسي)، المزمع إقامته في شرق أوروبا، أبدى الروس خشية خاصة من وضع عناصر لهذا الدرع في منطقتي البحر الأسود وآسيا الوسطى. بالنسبة لمنطقة البحر الأسود، رأى الروس أن ثمة خطر أكثر وضوحاً قد يتأتى من نشر صواريخ اعتراضية أو رادارات أطلسية في رومانيا أو تركيا. وقال مندوب روسيا الدائم لدى حلف الناتو، دميتري روغوزين: أن خطط الولاياتالمتحدة الخاصة بنصب عناصر من منظومة الدرع الصاروخية في رومانيا تثير القلق. وقال روغوزين، خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة: أن بلاده تعارض نشر عناصر من الدرع الصاروخية الأميركية في منطقة البحر الاسود. وجاءت هذه التصريحات في إشارة إلى المفاوضات الجارية بين أنقرةوواشنطن بشأن إمكانية نشر رادار تابع للدرع الصاروخية الأميركية على الأراضي التركية. وقال روغوزين: "نحن نعارض نشر عناصر من الدرع الصاروخية الأميركية في البحر الأسود، وفي المنطقة بشكل عام، حتى إذا لم يكن هذا الأمر يمس مصالحنا". وقال روغوزين: أنه حسب معلوماتنا، فإن تركيا تلقت عرضاً بنشر رادار، تابع للدرع الصاروخية في جنوب شرق أراضيها. وأن مدى هذا الرادار سيبلغ عدة ألاف الكيلومترات في الاتجاهين الشرقي والجنوبي. وأضاف روغوزين: أن الأميركيين قالوا أنهم لا يخططون لنشر صواريخ اعتراض في تركيا. لكن إذا كانت هناك سفن حربية تحمل هذا النوع من الأسلحة، موجودة على بعد خمسة كيلومترات من الساحل التركي، فهذا الأمر لا يختلف كثيراً عن نشر الصواريخ في تركيا، علماً بان مدى الصواريخ المقصودة يتراوح بين 2000 كيلومتر و2500 كيلومتر. ولم يستبعد روغوزين أن يكون نشر منظومة الدفاع الصاروخي في أوروبا جزءاً من التحضير لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران. وأشار إلى أن عناصر المنظومات الدفاعية مرتبطة دائماً بعناصر المنظومات الهجومية. وأن الخطط في مجال الدفاع الصاروخية ليست إلا تحضيراً لتوجيه ضربة ضد إيران. وقد تم الإعلان رسمياً في أنقرة، في الخامس من تشرين الثاني نوفمبر 2010، بأن تركيا ستسمح بنشر عناصر من الدرع الصاروخي على أراضيها، في حال توفر ثلاثة شروط، هي: أولاً، تدعو السلطات التركية إلى إقامة منظومة درع صاروخية تابعة لحلف الناتو وليس الولاياتالمتحدة. ثانياً، يجب أن تضمن هذه المنظومة أمن جميع الدول الأعضاء في الحلف. ثالثاً، يجب ألا تتحول تركيا مباشرة إلى بلد يقف على "خطوط تماس"، كما كانت عليه الحال في حقبة الحرب الباردة. - وضع آسيا الوسطى: وكما هو الحال بالنسبة لمنطقة البحر الأسود، كذلك اعترض الروس، على نحو صريح، على أية محاولة لنشر عناصر من الدرع الصاروخي الأميركي (أو الأطلسي) في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز. ويرى الروس أن حلف الناتو قد نجح، في السنوات القليلة الماضية، في إيجاد أرضية صالحة له في هذه المنطقة، حيث نسج علاقات تعاون مع غالبية دولها. وهو الأمر الذي قد يُمهد لبرامج ذات صلة بالدرع الصاروخي المضاد للصواريخ. وفي صورة لتحركات الناتو الأخيرة في المنطقة، وصل في 22 حزيران يونيو الماضي إلى العاصمة الطاجيكية دوشنبه، جيمس أباتوراي، المبعوث الخاص للأمين العام لحلف الناتو لشؤون جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. وهذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها أباتوراي إلى طاجكستان، منذ أن عين بهذا المنصب في كانون الأول ديسمبر الماضي. وكان أباتوراي قد زار في أيار مايو كلاً من قرغيزيا وكازخستان، حيث ضمن تأييد هذين البلدين لقوات الحلف في أفغانستان. وفي مقابل ذلك، وعد الحلف كازخستان بدعم إصلاحاتها العسكرية، بينما وعد قرغيزيا بمساعدتها في تعزيز قدرات حرس الحدود. من ناحيتها، تأمل طاجكستان بقدر من المكاسب لا يقل عما حظيت به الدول المجاورة. وكان الناتو قد ساهم في إعادة تجهيز الحدود الطاجيكية – الأفغانية، من خلال تقديم المعدات وتعزيز المخافر الحدودية. وبناء جسر على نهر بيانغ، وتدريب العسكريين على نزع الألغام، ومكافحة تهريب المخدرات. وكانت طاجيكستان تنتظر إقامة قاعدة عسكرية للناتو في أراضيها، على غرار تلك التي أقيمت في قرغيزيا، الأمر الذي من شأنه مساعدة السلطات الطاجيكية على سد عجز الميزانية، خاصة وأن مطار "آيني" العسكري لا يزال دون مالك. ويُمكن أن تستفيد من هذا المطار وحدات الناتو، في إطار عملياتها في أفغانستان. من جهة أخرى، تشير بعض التقارير الروسية إلى أن القوات الأميركية تنوي مغادرة جنوبأفغانستان، والاكتفاء ببضع قواعد مفصلية هناك. وتحديداً في "شيندند" على المحور الإيراني، وفي العاصمة كابول. أما القوات البرية الأساسية فسوف تنقل إلى شمال أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى، وخاصة طاجكستان وقرغيزيا. وتشير هذه التقارير إلى أن "كل شيء بات جاهزاً" في مدينة باتكين القرغيزية، لإقامة القاعدة الأميركية الجديدة. وفي المجمل، يُكن القول إن الحضور الأميركي في آسيا الوسطى يُعنى بتطلعات ثلاث دول، هي الصين وروسياوإيران. بيد أن الصين تُعد الهدف الأساسي لهذا الحضور.وتعد منطقة "مورغاب" الطاجيكية المتاخمة للصين نقطة الارتكاز الأكثر ملاءمة لهذا الغراض. وبالعودة إلى أصل النقاش الروسي الأطلسي، حول الدرع الصاروخي، المضاد للصواريخ، يُمكن القول أن ليس ثمة أفق واضح لهذا النقاش حتى اليوم، وذلك في ظل التباين السائد في المواقف. وعلى الأرجح، فإن حل هذه القضية سوف يدخل في إطار صفقة روسية أميركية، تُعنى بطيف واسع من القضايا الدولية، موضع الاهتمام المشترك.