إن الاحساس بالجمال أمر فطري، وتميل إليه النفس بشكل طبيعي، ونلمس هذا الجمال من حولنا عن كثب فنراه في براءة طفل جميل، في ورقة تسقط من غصنها أثناء فصل الخريف، في شقشقة عصفور يدس جسمه النحيل بين الأغصان، في أسراب فراش أنيق في غيم يمر، في نحلة تختبر رحيق وردة، في لمسة حنان من يد أم رؤوم، في تقبيل ثغر الصباح، في تسبيحة طير عند بزوغ الفجر، في انكسار موجة على شاطئ رملي، في سماع قصف رعد في ليلة شديدة البرودة والمطر، في ومضة برق يخترق ضوؤه ستائر المحبين، في لوحة فنان في أو بيت شعر من إحدى المعلقات، في نظرة إلى النجوم في السماء، إن إبداع الخالق سبحانه الذي قال: (وزينا السماء بزينة الكواكب)، وقال: (صنع الله الذي أتقن كل شيء)، وقال: (والذي أحسن كل شيء خلقه). ولا يتوقف وصف الجمال على هذا الحد، فالجمال متشعب ومطلق، والجمال الكامن المتمثل في النواحي المعنوية، كالصبر هو محل نظر الله كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن الله ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم. ثم إن هذا الجمال الكامن ينعكس على الصورة الظاهرة فيزينها، ومما يدل على أن الجمال الكامن أعلى مرتبة من الجمال المحسوس، إن القلوب لا تنفك عن الميل إليه وهذه هي الصفة التي خص الله بها نفسه، فالله جميل يحب الجمال، وهو بهذا ليس نسبة إلهية بسيطة من بين نسب أخرى وإنما هو النسبة الأساسية؛ ولذلك فالخالق سبحانه أجمل من سائر المخلوقات. إن جمال الزوجة لا ينبغي أن يقتصر على الصباحة في الوجه، والوضاءة في البشرة، والجمال في الأنف، وحلاوة في العينين، والقد المياس، والحاجب الأزج، وكمال الحسن في الشعر، وإنما ينبغي أن تقترن هذه الصفات بالعفة، والطهارة، والظرف في اللسان، ولا بد أن تسكن الحشمة قلبها، واللطف يتدفق من شفتيها، وبذلك تكون اكتملت الصورة الجمالية في المخلوق. إن امرأة العزيز التي شغف يوسف قلبها حباً، كانت تنظر إلى جمال يوسف الظاهر، وبهذا كادت أن تقع الخطيئة (وهمت به وهم بها) لولا أنه أبى واعتصم وصرفه الله عن الزنا، وقد أجاد الشاعر وصف المرأة الجميلة عندما قال: قضاعية الكعبين كندية الحشا خزاعية الأطراف طائفة الفم لها حكمة لقمان وصورة يوسف ومنطق داود وعفة مريم إن الجمال لا يتأتي الاستمتاع به إلا في حدود قدرة المرء على تذوق الجمال واكتشاف بعده الداخلي، فالناظر إلى لوحة «الموناليزا» مثلاً يتولد لديه الاحساس بجمالها بقدر ما تترجمه نظراته وخياله من معان وأبعاد جمالية لهذه اللوحة، ومن يصغي إلى سماع إحدى المعلقات يتفجر إعجابه بها حسب ما تسمح به قدرته على استيعاب تفاصيل الجمال لديه. كانت الملكة «كليوباترا» على قدر كبير من الجمال، والذكاء، والفطنة حيث قرر «يولويوس قيصر» مساندتها، ودعمها لاسترداد عرشها في مصر ولعل سر نجاح «كليوباترا» التي حظيت بهذا الدعم، هو فرط جمالها وحنكتها ودهائها السياسي الذي أفضى - فيما بعد - إلى زواجها من قيصر. هتلر الطاغية الذي أراد أن يغير خريطة العالم عندما لاح أفول نجمه أصبح متوتراً ومنهك القوى، فعندما تدخل عليه عشيقته الفاتنة «إيفا براون» التي أصبحت زوجته قبل انتحارها بيومين، فإنها تمشي على أطراف أصابعها خشية أن يثور في وجهها، ويطردها، ولكن ما أن يحس بها تقترب منه حتى يرتمي بين ذراعيها، ويسند رأسه إلى صدرها، ويردد أيتها الفاتنة «إيفا» ليس لي سواك.