بدأت الحكاية أثناء ثورة الياسمين التونسية عندما تم وضع بعض الفنانين على القائمة السوداء بسبب إشاعات تشير إلى ولائهم لنظام زين العابدين، ولاحقا أصبحت القائمة السوداء تقليدا يرافق جميع الانتفاضات الشعبية التي تأججت في عموم العالم العربي، حيث ظهرت في مصر قائمة متورمة من الفنانين الموالين أو المتنفعين، أو حتى الذين كانوا يرتبطون بعلاقات صداقة مع بعض أفراده، وانتقل هذا التقليد إلى انتفاضة سوريا حتى فرقعت مؤخرا قضية الولاء في وجه الإعلاميين أيضا كجورج قرداحي. ولكن السؤال هنا: هل الفنان المغني أو الممثل عضو في تنظيم حزبي؟ هل هو صاحب رؤية وعمق فكري يحتم عليه إعلان موقف سياسي حاسم؟ هل يعامل بموازاة الطيب تيزيني أو أدونيس أو فراس سواح أو محمد شحرور وسواهم ممن يعكسون ضمير الأمة ولسان الشعب السوري؟ الفنان هو شخص صانع للفرح والبهجة وليس عضوا عاملا في حزب فبالتالي هل من حق الجماهير مطالبته بمواقف أيدلوجية صارمة ومسيسة؟ وان كان البعض يقول ان الفنان شخصية نجومية عامة وذات حضور جماهيري يتطلب منها حسم مواقفها لصالح الثوار، لكن نعرف جميعا أن قضية الشهرة والحضور الإعلامي لا تحتم أن يكون للفرد موقف سياسي، الشهرة ليست مؤشرا على النفوذ والسطوة، حتى مشروب قمر الدين مشهور، بل هو أشهر شخصية في شهر رمضان فهل يتحتم عليه أن يحدد مواقفه السياسية. الجو البوليسي المخابراتي الذي كان يهيمن على عموم العامل العربي كان من الصعب أن يوجد الفنان الملتزم النوعي صاحب القضية، وان وجد فهو قد حسم موقفه من البداية إلى جانب التغيير وإرادة الشعوب، بينما الأغلبية العظمى مهمتها نصب خيام البهجة والمرح وليست المشاركة في كتابة الدستور القومي أو تلاوة البيانات الحزبية على رؤوس الأشهاد. حتى المسرح السياسي الراقي الذي كان يقدمه دريد لحام، كان يتكئ على نصوص الشاعر المبدع (محمد الماغوط) وحينما رحل الماغوط تلاشى الحضور المسرحي لدريد لحام وارتمى في أحضان النظام، لأنه ببساطة بلا خلفية ثقافية تقوده باتجاه إرادة التغيير، وبالتالي تجعله يحسم مواقفه ويستطيع أن يفرز بين أحلام الشعوب وأنظمة الاستبداد والتسلط. والشعوب العربية التي خرجت من إرث وافر شاسع من الاستبداد والديكتاتورية، ومن القوانين القطعية الساذجة التي تقسم العالم إلى فسطاطي الحق والشر، ومن من لم يكن معنا فهو علينا، وجميع الممارسات التسلطية القمعية التي كانت تحجب التعددية والتنوع وحرية الرأي واحترام الحريات، نجد الآن أنه من خلال هذه القوائم التي يسمونها قوائم العار تعيد استيلاد أدوات البطش والتصفية، وتمارس نفس الاضطهاد وبنفس السوط، على اعتبار أن الثورة فقط هي من تملك الحقيقة المطلقة المنزهة عن النقاش أو المراجعة، وماسوى ذلك فهو.. عار. احترام الإرادة والخيارات الشخصية يأتي في صلب القيم التي تسعى له الثورات، وإطلاق الحريات والإيمان بالتعددية هو السبيل الوحيد لإطلاق هذه الشعوب من سجونها الفكرية. وان اختار فنان أن يوالي الجزارين وسافكي الدماء والمستبدين، فسرعان ما سيسقطه الزمن ويعلن إفلاسه فالفجر الذي تتجه له الشعوب العربية لا يتسلط ولا يستبد ولا يصفي ويسجن من أجل اختلاف الرأي، بل للجميع حيز في أرض الوطن.