جميعنا يعاني من غلاء أسعار السلع التي لا تترك أخضراً ولا يابساً من دخلنا الشهري، فلا يكاد "الموظف الغلبان" من محدودي الدخل يستلم راتبه بعد ثلاثين يوماً من الكد والعرق، حتى يجد أن أسعار السلع والمواد الغذائية وفواتير الخدمات المختلفة قد فغرت أفواهها، لتبتلع "قريشاته" في بضع أيام، ومع الإقرار والجزم والتأكيد بوجود مرض وداء عضال لدى كثير من التجار عندنا، والذين لا تهمهم معاناتنا وشكوانا المُرة من مسلسل ارتفاع الأسعار المتواصل وغير المبرر في الكثير من الحالات، خاصةً في المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والسيارات ومواد البناء والملابس وما في حكمها، إلاّ أننا كمستهلكين نتحمل جزء كبير من أسباب جشع التجار وتشجيعهم على مواصلة مسلسلهم البغيض لرفع أسعار السلع دون رحمة وشفقة بحالنا، وهذا ناتج عن غياب ثقافة الاستهلاك عندنا وعدم وضعنا ميزانية سليمة لمصروفاتنا تتناسب مع دخلنا وتلبي احتياجاتنا ومتطلباتنا دون إسراف أو تقتير، كما أننا وهذا الأهم لا نلتزم أو نتفق على مقاطعة السلع الغالية ونمتنع عن شرائها؛ لأن هذا هو العلاج الأمثل لجشع التجار ووقفه، بل والحد منه، بعد أن ثبت بما لا يقبل الشك أن وزارة التجارة قد أغمضت عينها عن الغلاء، وربما ظهرت بين الحين والآخر لتبرر للتجار هذا الغلاء، أو تدعي أن الأمور عادية ولا تتطلب تدخلها. عزيزي المواطن «تحمل ما يجيك» تريد منع جشع التجار و«الرقيب نائم» مثلاً! "الرياض" تُسلط الضوء على الموضوع لمعرفة الأساليب التي من الممكن أن تحافظ على ميزانية الأسر، مع طرح الحلول التي من شأنها أن تضغط على بعض التجار لوقف مسلسل ارتفاع الأسعار. غياب الرقابة في البداية قال "م. جمال برهان": الواقع أن رفع أسعار السلع في أسواقنا غير مبرر، بل ويعكس غياب الرقابة والمتابعة من وزارة التجارة والجهات الرقابية، مضيفاً أن الملاحظ وهذا الذي يجعلنا نضع الكثير من علامات التساؤل والاستغراب، أن السلعة التي يزيد سعرها في فترة معينة لأسباب طارئة ومن ثم تعود للانخفاض في الأسواق العالمية، يبقى سعرها في أسواقنا المحلية مرتفعاً، وربما زاد مع مرور الأيام؛ لأن التجار عندنا لا يجيدون إلاّ ثقافة رفع الأسعار، أما خفض الأسعار فقد شطبوه من قاموسهم؛ لأنهم لا يجدون من يحاسبهم، مطالباً بأن يكون للمستهلك دور في الحد من جشع التجار بالوعي والتوقف عن شراء أي سلعة يحس بأن الزيادة فيها غير واقعية، وأن يتركونها في مخازن التجار؛ لأن هذا يجعلهم فيما بعد يفكرون كثيراً قبل رفع السعر. ضحكوا علينا «عشان أكسبك زبون للمحل»وهو يغش في السعر وجودة السلعة أموالنا إلى الخارج وأوضح الأستاذ "أحمد حامد" أننا بدأنا نصاب بالغبن من خلال سيطرة الوافدين على العمل التجاري في أسواقنا، ذاكراً أن نتيجة هذه السيطرة هي ذهاب أموال الوطن إلى الخارج، مؤكداً على أن العاملين في سوقنا المحلي يتنافسون على زيادة الأسعار؛ لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والثراء على حساب الوطن والمواطن، وهذا يفترض أن يقابل من المواطن بوعي، وأن نطبق نظرية "الترشيد الاستهلاكي"، وعدم التبذير، إلى جانب محاربة جشع التجار ومغالاتهم بالمقاطعة للسلع الغالية وخاصةً المواد الغذائية التي وصلت أسعارها إلى مستوى لا يطاق، واستبدالها بسلع أخرى مشابهة وأقل سعراً؛ لأن هذا سيدفع التجار لتخفيض أسعار تلك السلع إلى مستواها الطبيعي، وحتى لا تنتهي صلاحيتها وتفسد وهي في مخازنها عندهم. رفض شراء السلع المرتفعة يجبر التجار على ترك الجشع عدسة - محسن سالم جهل وهبل كثير من العاملين في المحلات التجارية أصبحت لديهم قناعة أن الزبون إذا جاء لشراء سلعة معينة ووجد سعرها منخفض، فإنه سيحجم عن شرائها؛ لأنه يعتبرها سلعة رديئة، حيث أكد عدد من العاملين في عدة محلات تجارية هذه الحقيقة، موضحين أن الكثير من الزبائن لا يقتنع أن السلعة جيدة إلاّ إذا رفعنا سعرها، والكثير من الباعة وعديمي الضمير في أسواقنا يعرفون كيف يستغلون هذا "الهبل" و"الفنجرة" عند الزبائن وخاصةً النساء، ليرفعوا سعر السلعة التي قيمتها (100) ريال إلى أكثر من ثلاثة أضعاف قيمتها الحقيقة، وبعد ذلك يخفض لها خمسين أو ما شابه ذلك بأسلوب "من شان خاطرك" و"من شان عيونك" و"عمري ما بعت بهذا السعر إلاّ لك علشان أكسبك زبون للمحل"، ومن خلال هذا الأسلوب الناعم والخادع "يتدبس المسيكين أو المسيكينة في شراء السلعة بضعف قيمتها الحقيقية. م. جمال برهان أسعار خيالية ويؤكد هذه الحقيقة أحد تجار الفساتين الجاهزة الذي طلب عدم ذكر اسمه بقوله: أحرص على استيراد أجود أنواع الفساتين الجاهزة من بيوت الأزياء الخليجية والعالمية، وأحرص أن يكون الربح في حدود المعقول، فإذا كان الفستان يكلفني (500) ريال، أحرص على أن أبيعه للزبائن ب(550) ريال وهكذا، ولكنني وجدت أن الزبائن بعد أن يروا السعر المكتوب على البضاعة يتركون محلي ويذهبون إلى المحلات الأخرى بجواري، ممن تجلب فساتين رديئة من بعض بلاد شرق آسيا، أو يتم تفصيلها من قبل مشاغل البيوت الشعبية من خياطين أسيويين، ويبيعونها بأسعار خيالية، مضيفاً: "إذا كان الفستان لا يكلف إلاّ (100) ريال، فإنهم يبيعونه ب(1000) ريال، وهذا التدليس والغش هو الذي يقنع الزبون بأن البضاعة جيدة"، مشيراً إلى أنه أصبح يعمل مثل هذه المحلات، بل وبدأ يبيع بأسعار مرتفعة، مع أخذ الزيادة في السعر والتصدق به إلى الجمعيات الخيرية أو المحتاجين. هشام حداد تخفيضات وهمية! وعندما تذهب إلى أسواقنا ومراكزنا التجارية ستجد على واجهات محلاتها الكثير من اللوحات التي تعلن عن تخفيضات خيالية على مختلف البضائع قد تصل أحياناً إلى (70%)، وهذه التخفيضات في الواقع ما هي إلاّ خطة من التجار للفوز بأكبر جزء من "كعكعة العيد"، بل والحصول على أكبر نسبة من الأرباح في هذه الأيام، والغريب أنه رغم وجود هذه التخفيضات التي يقول عنها أصحاب المحلات أنها خيالية، غير أنك تجد أن الأسعار مرتفعة ومبالغ فيها، مما يجعلها في الواقع تخفيضات وهمية كما يؤكد كثير من المتسوقين. تعامل مختلف والمؤسف أنه رغم أهمية العمل التجاري ومكانته في الاقتصاد الوطني وضرورة أن يكون بأيدي أبناء البلد، إلاّ أنك نادراً ما تجد بائع في هذه المحلات والمتاجر الراقية والتي تحقق مكاسب كبيرة من المواطنين، الأمر الذي يجعلك في حيرة، هل هذه المتاجر والمعارض لمواطنين أم أنها لهؤلاء الوافدين؟، فقد أخبرنا أحد المواطنين أنه إذا قرر الذهاب إلى السوق للشراء فإنه يستغني عن الثوب والغترة، ويحاول أن يتحدث بلهجة غير سعودية، حتى يحصل على السعر الذي يباع به للأجانب، بينما وهذه تجربة شخصية له عندما يذهب إلى أحد البلدان العربية ويريد شراء بعض الهدايا من أسواقها، يأخذ معه أحد أصدقائه من ذلك البلد، ويطلب منه عدم الكلام، ليتولى الشراء ودفع الثمن؛ لأنه سيأخذها بسعر أرخص مما لو كنت هو الذي سيشتريها، لأنه من أهل البلد والتاجر لا يمكن أن يزيد عليه السعر. ارتفاع بلا مبرر الدولة لا تتوقف عطاءاتها لأبناء الوطن، وعملها من أجل توفير الرفاهية ورغد العيش للمواطن، من خلال ما أفاء الله على بلادنا من خيرات، ولكن كل ما يحصل عليه المواطن من زيادات في المرتبات، لن يفيد ما لم تضع الدولة حداً لجشع التجار وتوقف "ترمومتر" الأسعار، الذي يسجل ارتفاعات مضطردة بلا مبرر، وإذا ارتفعت السلع في عرف تجارنا فهي لا تنخفض، "واللي ما يعجبه يطق رأسه بالجدار"!؛ لأن وزارة التجارة لا ترى مبرراً لتدخلها ووقف هذه الزيادات وأن الأمور طبيعية؛ رغم الأسعار الجنونية التي طالت قطع غيار السيارات والأدوات المدرسية والملابس والزيوت والرز، بالإضافة إلى الحليب وحلويات العيد وأجهزة التكييف والعطور والأجهزة الكهربائية، وغيرها مما لا يمكن الاستغناء عنه من السلع. كنترول صارم وقال الأستاذ "هشام منير حداد" خبير مالي: إن أفضل الحلول لمواجهة جشع ومغالاة بعض التجار هو أن يضع المواطن "كنترول" صارم لمصروفاته، وأن نترك عادة التبذير والشراء غير المبرر، وأن يكون لدى كل شخص تخطيط لمصروفاته، بحيث لا يبسطها كل البسط ولا يجعلها مغلولة إلى عنقه، وأن يخصص كل إنسان نسبة من دخله للادخار لظروف الحاجة، مبيناً أن الملاحظ هو أن كثيرين منا لا يضعون خطة شهرية لمصروفاتهم، وهذا ساهم في إحداث فجوة كبيرة بين دخل الإنسان ومتطلباته الشرائية، مشيراً إلى أنه يجب علينا أن نتخذ قراراً جماعياً بمقاطعة سلع التجار الجشعين أي كان نوعها؛ لأن هذا سيدفع أمثال هؤلاء التجار للتراجع عن جشعهم الذي شجعناهم عليه، مشدداً على ضرورة أن يكون هذا القرار جماعياً وفاعلاً ليكون له نتيجة ملموسة.