قالت مؤشرات اقتصادية إن تزايد الميل نحو الحماية الجمركية ألقى بظلاله على نحو غير عادل على المزايا الاقتصادية والإستراتيجية الكبيرة التي يوفرها التكامل الاقتصادي في العديد من المناطق على مستوى العالم بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي ساهم في خلق 2.75 مليون فرصة عمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2%على مدار 15 عاما. وهو نتاج مباشر لجهود التكامل على غرار توحيد أنظمة الجمارك والحدود التي يسرت حركة البضائع والخدمات والعمالة بين الدول، فضلا عن زيادة حجم التجارة بنسبة تتراوح بين 5 و10% من خلال التعامل بعملة اليورو والاتحاد النقدي. وجاء في تقرير متخصص لاريبيان بيزنس إن من بين المزايا الأخرى للتكامل الاقتصادي الجهود المشتركة في مجال البحث والتطوير، وهو الأمر الذي شجع استثمارات القطاعين العام والخاص وحفز التنمية الاقتصادية. ويمكن لكثير من هذه المزايا أن تتحقق في دول مجلس التعاون الخليجي في ظل الجهود الهادفة إلى التكامل الاقتصادي. ويأتي اكتمال المرحلة الثالثة لمشروع الربط الكهربائي الخليجي في أبريل والذي سيجعل ربط المشروع بين السعودية، والكويت، وقطر، والبحرين، والإمارات، وسلطنة عمان إحدى هذه الجهود للمضي نحو التكامل الاقتصادي بجعل السعودية لا حاجة لها بعد اليوم لبناء محطات توليد الكهرباء، حيث تزيد قدرته الإجمالية على خمسة آلاف ميجاواط، مع دعم أي دولة في حالة تعرضها لانقطاع التيار الكهربائي، مما يوفر خدمات نقل الكهرباء بشكل مستدام وهذا سيخفض احتياطي قدرات التوليد بنسبة كبيرة من إجمالي الاحتياطي المطلوب لكل دولة. الربط الكهربائي سيوفر الكثير من استهلاك الغاز الطبيعي وتعتبر أبرز المزايا التي ستجنيها المملكة مع نظيراتها الخليجية بالربط الكهربائي بتقليص كمية الغاز الطبيعي الذي تستهلكه دول مجلس التعاون بكميات كبيرة لبيعه وتحقيق إيرادات جيدة, حيث ستحقق تلك السوق المشتركة لإنتاج الطاقة الكهربائية بإبرام اتفاقيات ثنائية لبيع وشراء الكهرباء بشكل تجاري إذا ما أرادت الدول الخليجية فعل ذلك. وبرغم ذلك إلا أن دراسة حديثة أجرتها شركة بوز آند كومباني أظهرت أن التكامل الاقتصادي بين الدول الست الأعضاء لم يحقق مستوى التقدم المتوقع. ويقول ريتشارد شدياق وهو شريك أول في بوز اند كومباني أن المنطقة شهدت نموا رائعا على مدى العقد الماضي، إلا أن هذا النمو يمثل جهود 6 دول منفردة، وليس مجموعة متماسكة ومتوافقة تعمل بوصفها كيانا اقتصاديا متكاملا، حيث يمكن أن يساعد التكامل الأشمل على دفع عجلة الاقتصاد في المنطقة بوتيرة أسرع كما فعل في نموذج الاتحاد الأوروبي، وبإيجاز ثمة فوائد ضائعة في حال عدم تعزيز التكامل. وقد أسس مجلس التعاون الخليجي المجلس النقدي الخليجي في مطلع عام 2010، وهي خطوة انطلاق مهمة نحو إنشاء سلطة إقليمية تتولى مسؤولية وضع السياسة لجميع الدول الست الأعضاء بوصفها كيانا اقتصاديا واحدا. وقد ربطت جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت عملاتها بالدولار الأميركي، مما يمهد الطريق أمام انتقال سلس إلى عملة موحدة في حال اعتمادها. ولكن الموعد المستهدف في عام 2010 لإنشاء عملة خليجية موحدة قد مضى، وكان انسحاب الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان من نظام العملة الموحدة المقترحة من العوائق التي تسببت في هذا التأخير، فمن الصعب تصور وجود اتحاد نقدي ونظام عملة يستثني دولتين من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، ومع ذلك فإن قادة مجلس التعاون الخليجي يفتحون المجال أمام المزيد من المناقشات في هذا الصدد، بينما يخطون قدما نحو بناء هيكل تكاملي لعملة خليجية موحدة. وتتمثل إحدى أهم الخطوات التي ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذها لتحقيق الاتحاد النقدي في إنشاء نظام قوي للمدفوعات وروابط متينة بين الأسواق المالية، من خلال توحيد البنى الأساسية القانونية والنظامية. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار في المؤسسات الإحصائية المتوافقة على كل من الصعيدين الوطني والإقليمي، ربما على نحو مماثل للمكتب الإحصائي Eurostat الخاص بالاتحاد الأوروبي، فالقدرة على جمع وتحليل بيانات الاقتصاد الكلي هي متطلب أساسي لتوحيد السياسات النظامية وممارسات إدارة المخاطر، وهو الأمر الذي أظهرته أزمة الديون اليونانية في الاتحاد الأوروبي. وأعطت بوز أند كومباني هذا المجال 3 نقاط في التقييم، وذلك يرجع في جزء منه إلى حقيقة أن حجم التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي نما بمعدل 10 أضعاف منذ تأسيس المجلس، وتبذل حكومات مجلس التعاون الخليجي قصارى جهدها لضمان تعزيز سلاسة تدفقات التجارة في المستقبل. وقد بدأت العديد من الدول الأعضاء بالفعل في أتمتة إجراءاتها الجمركية، مع أن هذه الجهود يتعين تنسيقها بهدف إنشاء نافذة جمركية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي تمكن جميع الدول الأعضاء من تبادل معلومات ومستندات التجارة من خلالها. وبوجه عام، تخطط دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء شبكة سكك حديدية بطول 2117 كيلومترا وبتكلفة تقدر بحوالي 25 مليار دولار، بحيث تنفذ بحلول عام 2017. وباشرت كل من البحرين والكويت وقطر والسعودية إجراء تعديلات إضافية كبيرة على مطاراتها القائمة، كما وقعت غالبية الدول بعض اتفاقات الأجواء المفتوحة بالرغم من انتظار مجلس التعاون الخليجي لاتفاق أجواء مفتوحة يتيح حرية الحركة الكاملة للأفراد والبضائع في المنطقة. وعلى الرغم من تنفيذ هذه المبادرات، لم تحقق المنطقة بشكل عام رؤيتها الموضوعة بشأن إيجاد منظومة تعليمية متكاملة عالية الجودة والتعاون في مجال البحث والتطوير، ولا توجد برامج مشتركة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بمحتوى وخدمات التعليم الرقمي، وبالرغم من أن إنشاء فروع للجامعات الأجنبية يجذب طلاب التعليم العالي من جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، فان المنافسة مع المؤسسات الإقليمية قد أعاقت التعاون المشترك معها. وفي مجال البحث والتطوير، لم يقم مجلس التعاون الخليجي بإنشاء معهد إقليمي رائد للإنفاق على جهود البحث والتطوير المشتركة على غرار ما فعله الاتحاد الأوروبي، بالرغم من وجود مصالح اقتصادية واجتماعية مشتركة بين الدول الأعضاء. لذا يتعين على مجلس التعاون الخليجي إنشاء مؤسسة بحثية إقليمية مماثلة لمجلس البحث الأوروبي (ERC) بهدف تعزيز المشاريع التعاونية وتمويلها وتقييمها. كما تحتاج المنطقة إلى إشراك القطاع الخاص في مشاريع البحث والتطوير من خلال تقديم الحوافز التي تمنح الشركات فرصة المساهمة في جهود البحث والتطوير في دول مختلفة. ومع تزايد حدة المنافسة الاقتصادية العالمية، سيكون على دول مجلس التعاون الخليجي بذل قصارى جهدها لتحقيق تكامل اقتصادي واسع النطاق سيمكن الدول الست الأعضاء من مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية على نحو أفضل.