ليس لدينا العقل الديناميكي في استثمار الأموال بطرق التنمية المستدامة، فكل المهيمنين على الثروات الكبرى، انحصر نشاطهم في مضاربات الأسهم، والقطاع العقاري، والاستيراد سواء أكان سلعاً استراتيجية، أم كمالية، وحتى المستوردات من الأغذية والأدوية تحتكر وتُرفع أسعارها وفقاً لمشيئة التاجر، أو إغراق المواطن بتكاليف هائلة، وديون جعلت حالة الاقتراض تتوسع على حساب الادخار. الدولة أقامت البنى الأساسية وشيدت المصانع، وأقرضت المؤسسات والشركات الوطنية ومنحتها الأراضي، لكننا لا نجد من بين أصحاب تلك الرساميل من يجيل نظره في الأفق، ويقرأ المستقبل البعيد في إقامة ثورة صناعية كبرى يسهم فيها القطاع الخاص بشكل مباشر، أسوة بأصحاب الرساميل في القلاع الرأسمالية التي اهتمت بسياسة الاستثمارات البعيدة المدى، وتحويل أي ابتكار إلى سلعة عالمية.. انظروا كيف تدار الرساميل في الدول المتقدمة والناشئة، وكيف تنظر للعائد البعيد وليس الآني، بينما أموالنا التي لديها الفرص الكاملة في الأزمة الراهنة العالمية بالدخول في شراكات صناعية، وقاعدة اقتصادية نستطيع بها تحريك الآلة الاجتماعية، والانتقال من الحياة التقليدية إلى المعاصرة تراوح مكانها، والمشكل ليس بالوعي بهذه الحقائق وإنما بالجبن في الإقدام عليها، لأن اليقين معدوم إذ لا تزال عقلية «تاجر الجفرة» هي السائدة، بمعنى أن إحداث تغيير في الأفكار، وتبني فلسفة التكتلات المالية الكبرى منعدم، إلا عند قلة ممن خرجوا من نطاق التفكير القصير إلى الأبعد بالرؤية، لكن لا تزال المشاريع العملاقة في الصناعات المختلفة ميتة. فلا تزال وسائل استخراج النفط والمصافي، ومصانع البتروكيماويات و«توربينات» توليد الكهرباء وسيارات النقل وغيرها، تستورَد كاملة، وحتى قطع غيارها ليس هناك من يفكر بها كاستثمار بعيد المدى، ودعك من مصانع الأسلحة والمعادن والسفن والقطارات، وهي ليست معجزة عندما نرى البلدان الناهضة انتقلت من الاكتفاء الذاتي، إلى غزو السوق العالمي بأعلى المبتكرات والصناعات ما أجبر المصادر المالية العالمية على الاستثمار في هذه البلدان ونقل تجربتها والاستفادة من أرباحها.. السائد لدينا «رأس المال جبان» وهذا صحيح عندما كانت المخاطر من التأميم في أي قفزة لمجموعة من المغامرين العسكر للحكم والانتقال من الاقتصاد الحر إلى التأميم، فيما العصر الراهن يعيش مرحلة وفكر العولمة، وتداول الاستثمارات وعبور الثقافات والمعلومات.. والأشد غرابة أن الأموال المهاجرة للخارج لم تخرج للاستثمارات بعيدة المدى بل كررت تجربة الداخل بشراء العقارات والسندات والأسهم والذكي منها اشترى الذهب كملاذ آمن، لكن انهيار العقارات وكذلك الأسهم في الدول الغربية وأمريكا، كلف رجال أعمالنا خسائر فادحة.. لقد أصبح الاقتصاد الأداة الأولى، وهو الحافز الذي دفع أوروبا للتوحد، وسعت أمريكا إلى وضع حزام مماثل لكتلة أمريكا الشمالية والتفكير يسود في آسيا، ولكنْ هناك دول مثل دول الخليج لاتزال تفكر بعقل تاجر «الجفرة»!