الشعراء الشعبيون ومتلقى الشعر الشعبي يستعذبون الأصالة والمفردات القادمة من الأمس والباقية بين مفردات الحاضر بتميزها الفريد ونكهتها العذبة إن صحت العبارة، ولا نستغرب عبارة (نكهة) لأنها فعلاً تعطي السامع تذوقاً يعود به إلى الماضي وتجعل الشاعر أكثر رضاً عن قصيدته خاصة عندما يكون مجيداً للنحت في جدار مفردات الأمس. لهذا يلاحظ على العديد من الشعراء استعذابهم لعبارات تُعد من ركائز الأمس أكثر من عبارات اليوم المعاصرة، وهذه أمثلة من العبارات المتكررة: الملعبة، والردية، والذلول والفاطر، والمطية، والخلوج، والهجن والهيجنة، والشداد والرمث، والطعس والرمل، والغرب والدلو، والمجمار، والمرقاب، والرقيبة، والبرق والسيل، والشعبان، والمضيق، والغمام وهماليل المطر والمرسول والكتاب، والرشا والمحال، والجال، والجبل والضلع، والهرج، والقول والقيل والسرى، والمجدول والمقطع وانسياج البال وهيض القلب والخاطر والبياح بالسر.. إلخ). والقصيدة في نظر الشاعر لا تكتمل إلا بمثل هذه العبارات سواء لديه أو لدى السامعين، ولأن المتلقين أيضاً تعودوا مثل هذه العبارات وتوقعوها أكثر مما يتوقعون عبارات: التلفزيون والجوال والسيارة والاستراحة والبطاقة والشيك والشارع والمدرسة والفلة والنظارة والكمبيوتر والإشارة والخزان والجسر والمطعم.. إلخ. ولا أقول إن مثل هذه لا تستخدم ولكن التركيز يتم من قبل الشعراء الشعبيين على محاولة التمكن من الأصالة التي تعني في نظرهم القديم ولو لم يكن له وجود في واقع شباب اليوم المتلقين لتلك القصائد، ويقابل هذا رغبة متوافقة مع هذا التوجه أيضاً من الكثير من المتلقين لكي تبقى الأصالة مستمرة عبر الشعر الشعبي لمجرد بقاء النكهة الشعبية. (أنا نوخت عندك والركايب وصلت المقصود.. إلخ). مع أنه وصل إليه في أفخم السيارات، وكلمة قبل مجيئه بأحدث وسائل الاتصال، وفتح له الباب الأوتوماتك. لكن لم يوظف العبارات والمفردات الجديدة حتى لا يفقد نكهة الشعر الشعبي ولعل السامع يفهم المقصود بكل عذوبة وهو يرى في مخيلته عناء الركائب وصعوبة المسير، ويسمع رغاء الإبل، وصاحبه ينوخ، ولعله أجمل خيال من الحديث في كل تركيباته في نظر هواة الشعر الشعبي وشعرائه أيضاً. وختاماً ألا يمكن التحول إلى الجديد وتوظيف اللغة العربية الفصحى ومحاولة إقصاء كل ما هو عامي بقدر المستطاع، خاصة ونحن اليوم ننشئ قصائد جديدة وليس لنا أما ما تم قوله فقد احتفظ به الماضي وأدخله التاريخ في ملفات ذكرياته ولا كلام حوله، لكن القول حول ما يُستجد فلنحاول.