تعج الساحة الشعرية الشعبية اليوم بعشرات الشعراء الذين يتزاحمون ويتهافتون على الضوء في القنوات الشعبية الفضائية وصفحات الأدب الشعبي في الصحف والمجلات حتى أصبح هناك إغراق واسع للسوق، فالمتلقي بوصفه مستهلكًا للنص الشعري يواجه مشكلة كبرى في كيفية التعاطي مع هذا التدفق المذهل من الشعر الشعبي الذي ضاع في خضمه الشاعر الجيد المميز. وقد وجد عدد من شعراء الفصحى أنفسهم بين الشعراء الشعبيين الذين ينظمون ويكتبون باللهجة العامية الدارجة بحكم أن النظم باللهجة العامية لا يستعصي على شاعر الفصحى في الغالب الأعم؛ ولكن مستوى الشعرية وجودة النص جعلت بعض شعراء العامية يتفوقون في فنهم الذي لا يحسنون سواه على شعراء الفصحى الناظمين بالعامية لأنهم لا يزالون يتعاملون بتأثير أساليب وطرق بناء التراكيب والقيم الفنية للفصيح الكامنة في وعيهم، فضلاً عن أن حياتهم الثقافية مع الشعر الفصيح قد أبعدتهم عن طرائق وأساليب ومفردات وحيل لغوية يعرفها من يعاقر تراكيب الشعبي صباح مساء من أولئك الذين انقطعوا له ولم تتأثر سليقتهم بمواصفات بناء الكلام الفصيح وطبيعة نطق مفرداته وتنغيم عباراته، ولهذا فإننا نجد بعض الشعراء يحرص على أن يذكر أنه شاعر فصحى ولكنه يقول الشعر الشعبي ويحاول أن يخرج بنفسه ضمن شعراء القصيدة الشعبية ظنًّا منه أن ذلك يضيف إليه. وهناك من شعراء العامية من يذكر في مقابلاته وأمسياته أنه يقول الشعر الفصيح، وربما حرص على أن يورد واحدة أو أكثر من قصائده الفصحى لترى العجب العجاب. إن المفيد للشاعر الحقيقي أن يحدد الخط الذي يسير فيه، والنوع الذي يجد فيه نفسه ويرى أنه يحسنه وينافس أقرانه بدلًا من الضياع بين نوعين من الشعر سوف يجد النقاد ذات يوم قد أخرجوه من أحدهما بعد أن يكون جمهور الشعر قد انصرف عنه إلى سواه.