البنوة.. هي رد الجميل الكريم، هي فرحة الآباء بالوفاء الجميل، والتاريخ قد حمل لنا صوراً من البنوة النبيلة.. البنوة التي صارت مثلاً في الحياة، لا يرقى إليها أحد بعدها كان حديثنا فيما سبق عن الوالدين، وعظيم حقهما على الأبناء، ونبيل مشاعرهما - ولم نستوف كل الحقائق عنهما - لأنهما أكبر وأرحب من كل قول.. فهل لدى الأبناء من العرفان، والحب الحقيقي للآباء والأمهات قدر ما أعطوا، أو رداً لجميلهم؟ انظروا... * ابن كريم طلب لأبيه - غير الموحد لله - النجاة من النار، بدعوته إلى التوحيد والايمان. * ابن بار بوالده براً لم تعرفه البشرية من قبل. * فأين أنتم يا أبناءنا اليوم من هذا؟!! ** ** ** البنوة.. هي رد الجميل الكريم، هي فرحة الآباء بالوفاء الجميل، والتاريخ قد حمل لنا صوراً من البنوة النبيلة.. البنوة التي صارت مثلاً في الحياة، لا يرقى إليها أحد بعدها. الخليل إبراهيم - عليه السلام - يعطي الأبوة حقها في البنوة المخلصة؛ فحين وجد أباه وقومه يعبدون من دون الله أشفق على أبيه من سوء المصير، ورغب في إنقاذه من الجحيم؛ فقال له: (يا أبت لا تعبد الشيطان.. إن الشيطان كان للرحمن عصياً.. يا أبت إني أخاف أن يمسَّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا). لكن الوالد لم يستمع إلى كلام الابن الحكيم، واستمر في غيه وضلاله، ومع ذلك فللأبوة حقها، فاستغفر إبراهيم لأبيه (قال أراغب أنت عن إلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً). وها هو الابن البار الكريم.. عيسى - عليه السلام - لم يقل إني أحب أمي، ولا أطيعها، لكن قال (وبراً بوالدتي..). البنوة في حياة البشرية.. نماذج راقية للبنوة العالية السامية... فأين الكثيرون منا اليوم من هؤلاء الرسل البررة.؟ ** ** ** الكثيرون منا أبناء بحق لآبائنا وأمهاتنا، والكثيرون من أبنائنا لا يزالون على مستوى الحب والإخلاص، وعظيم مشاعر البنوة، لن نذهب بعيداً.. فها هو حولنا يغمرنا بشعره، لكنه قال أصدق ما قال في حواره مع أمه حين كان شاباً، وكان في غربته، فاشتد به الحنين إليها، هو من الوفاء بحق الوالدين، وقوة الارتباط بهما، تلك البنوة المتوهجة في روح شاعرنا الصديق الدكتور/ غازي القصيبي - رحمه الله - والتي كتبها منذ أكثر من خمسين سنة، وهو في القاهرة عام 1957 يناجي بمشاعر الابن التي أوقدت مشاعر الشاعر يقول: البُعد يغري أدمعي والشوق يضني أضلعي أماه! آهٍ من جراحات الفراق الموجع لي إن ذكرتك أنة المتأوه المتوجع ولقلبي المتعذب الخفاق نوحُ مروع الذكريات تعيد لي أطياف أمس الممتع أيام كنت أطير في روض الربيع الممرع بنوة تتفجر شوقاً إلى الأمومة، بل لشدة تعلقه بها يصوغ خواطره نحوها على لسانها ليشعر في بعده كأنه بين يديها، وهي مشاعر قوية استطاع الشاعر بعبقريته أن يعبر عنها.. لكننا نحن - غير الشعراء - نشعر بهذه الأحاسيس لكننا قد نعجز عن التعبير الحقيقي عنها. ** ** ** ما أعظم الأبناء في حياة الآباء والأمهات. إن البنوة هي الروح الثانية للإنسان،.. هي العضد المساند للآباء.. هي الشعور باستمرارية الحياة. فها هو زكريا عليه السلام يدعو الله ألا يحرمه من الأبناء. قال تعالى: (وزكريا إذ نادى ربه ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين) «الأنبياء، آية: 88»، وقال تعالى: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا.. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) «مريم، آية: 5» إن للبنوة مكانة عظيمة، تراعى من الجميع، حتى بعض الروايات تنص على أن الله سبحانه وتعالى أجّل قبض روح سيدنا إبراهيم لأن ابنه اسحق كان بين يديه متعلقاً به. ** ** ** يا كل الأبناء الأحباب ذكوراً وإناثاً.. أعود لأؤكد لكم أنكم - عند أمهاتكم وآبائكم - أعظم قدراً من كل المناصب، وأحب إليهم من كل الأموال، وأكثر تباهياً بكم من كل إنجاز. سألني سائل - في إحدى الندوات - كم من الأموال ادخرت؟ وكم من الانجازات حققت؟ فكان جوابي عليه دون تردد: إنني لا أعبأ بالمال، وما حققته من آمال وانجازات في مجال عملي هو واجب وطني؛ لكن الانجاز العظيم، والفخر الكبير الذي في حياتي هو أولادي، الذين هم ثمرة جهادي، وغاية آمالي ها هم أعظم من كل رصيد، وأغلى من كل منصب، هذا هو شعوري، وأنا على يقين أنه شعور كل أب مثلي - يرى أولاده من حوله كما يحب أن يكونوا، بارك الله فيكم أيها الأبناء وكونوا مصدر السعادة والهناء لوالديكم مدى الحياة. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.