في تقديري أن الذين يتحدثون عن منجزات كبرى لخادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، كدعوته العالمية الفذة لحوار الحضارات ، وكجامعة فريدة وعملاقة كجامعة الملك عبدلله وغيرهما لا يوفون الرجل حقه ، وفي تقديري أيضا أن الذين حطت أنظارهم على مشروعات حضارية انتقلت بالمملكة الى صعيد عالمي يحظى بالرقي ومسابقة العصر هؤلاء لم يلتفتوا الى شيء جوهري مهم ، وما أعنيه هنا هو ما أصبح ضمن جوهر الشخصية السعودية ، الإنسان السعودي كيف يلتقيه أو يلاقيه الآخر بكل الاحترام والتقدير في أي مكان في العالم . هذه مسألة ليست بسيطة ، بل إن تغيير المادة مهما عظم وكبر هين وبسيط ، إذا ما قيس ببناء الشخصية السعودية الجديدة . هل يتكئ هذا التغيير على أصول حضارية وإسلامية ،أجاد استثمارها في الشخصية السعودية خادم الحرمين الشريفين، أم يتكئ على نهضة علمية وفكرية أرساها رعاه الله في الإنسان السعودي فغدا هو ذلك الانسان بالغ الحضور والتميز ؟ أم أن عديداً من كل هذه العوامل اجتمع في تكريس واحد لإبراز الشخصية السعودية الحقيقية بأصالتها ومعاصرتها وحضورها الطاغي ؟ من تجربتي الخاصة عندما أقمت لسنوات طويلة في مصر أستطيع أن أرصد المقياس الحقيقي لهذا التحول... أستطيع أن اقسم الاحساس المصري إزاء المملكة والمواطن إلى ثلاث درجات ، رغم فارق فلكي بين درجة وأخرى ، تحظى الاولى بإجماع عام وتنزوي الاخرى في قلة تلغي وجودها من الأساس، إذ لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة . الدرجة الأولى هي : المستوى الشعبي العام الذي يضم من 85 مليون نفس 85 مليونا أعنى الجميع بلا أي استثناء هؤلاء هم مجموع الشعب المصري الذي يتدله عشقا بالأرض المقدسة ، ويعيشون توقا الى زيارة الحج والعمرة ، وينظرون إلى المواطن السعودي بانتمائه القديم الى مجتمع النبوة والرسالة، يتسابقون الى احتفاءٍ به، يبدو احيانا للفرد السعودي مبالغا فيه أو غير مبرر ، ولكنه حب خالص وفطري يملك على النفس كل هواها ، وهذه درجة. الفئة الثانية هي فئة المثقفين الواعين والعارفين بحقائق ما يجري وبقيمة ما يحدث، وهؤلاء ينظرون مثلا إلى جامعة الملك عبدالله ليس باعتبارها منجزا سعوديا بل باعتبارها اختراقا عربيا للعصر ، وبكل المقاييس ، وهؤلاء يرون ان خادم الحرمين الشريفين هو الرمز لوعيهم وثقافتهم وتوجهاتهم حين تبنى عنهم دعوة الحوار مع الآخر ، وهي فئة كبيرة العدد تضم علماء الأزهر وأساتذة الجامعات والمفكرين والمبدعين وكل منظمات وهيئات وتجمعات المثقفين المصريين في كل قرى ومدن مصر ، وهم يمثلون التوجه الريادي العام الذي يقود الوعي والفكر في إحساسهم بالمواطن السعودي في مصر وبالاراضي المقدسة في المملكة , بقيت فئة ثالثة لا يتعدى أفرادها أصابع يد واحدة وهؤلاء لا يعملون لحساب الحقيقة أو الواقع، ولا يتصرفون بما يمليه ضمير أو كرامة ، يعملون لحساب أنفسهم ، ولأنهم فاقدو الأهلية لا يحظون بأدنى تقدير أو احترام داخل المجتمع المصري نفسه مع ذلك لايكفون عن التطاول والافتراء ، عند مناقشة مجموعة شعرية في ندوة عامة أو عند تناول نقدي لمجموعة قصصية لابد أن تبدأ مشاركتهم بجملة عن المملكة ، وللأسف الشديد إن هؤلاء يملكون مساحات للنشر يملأونها بهذه السموم . ليس لهؤلاء تجربة شخصية مؤلمة مع المملكة ولكنهم يسعون الى مجد شخصي ، هذا المجد ليس سعيا إلى الحظوة والتقدير والاحترام ، وإنما الى ابتزاز مبلغ من المال ثمناً للسكوت ، قرأت مقالا لواحد من هؤلاء وادهشني ما يقول ، ولكنني انخرطت من الضحك عندما قرأت التعليقات الهائلة على ماكتب ، كلها بأقلام مصرية وكلها ترمي الكاتب بالسباب واللعنات ومعظمها تفضح نواياه الشخصية الشريرة. إذا أردنا الاحتكام فهل نحتكم الى فئة ال85 مليوناً ام نحتكم لشرفاء المثقفين والواعين ، أم نفتح أذنا او نلقي بالا لتفاهات المضيعين ؟ في المجمل العام لا يحتاج السؤال الى جواب ، وفي المجمل العام ايضا يجب أن نتأمل حقيقة جوهرية : ماالذي أوصل المواطن السعودي الى هذه المكانة الفريدة في قلوب كل المصريين ، ودون غيره من الجنسيات العربية الأخرى ، وما الذي أوصل وطننا الغالي الى هذه المكانه في القلب والعقل من كل الناس؟ لنعرف حجم ما حققه خادم الحرمين الشريفين..