محاولة التشدد مع الآخرين عبر الممارسات الروحية، لماذا يجب على الآخرين أن يتقبلوا حقيقة كوني صائماً تؤدي إلى تدني مستوى فاعليتي وإنتاجي سواء في النطاق الخاص أو العام أو أي من مواضع التماس مع الجماهير؟ ولماذا يحتم على الآخرين ممن لم يصوموا إما لعذر أو لكونهم غير مسلمين، الخضوع لأجندة صارمة من عدم المجاهرة بالأكل والشرب؟ حيث يفسر البعض هذا بأنه خادش لمشاعر المسلمي!! وضجت بعض المواقع الإلكترونية على مشهد أحد المحللين السياسيين كونه ارتشف ماء أثناء نهار رمضان، ولم يراع مشاعر المشاهدين. ياللهول ... هل صيامنا بهذه الهشاشة والسطحية من الممكن أن تخدشه رؤية كوب ماء ، على حين أن الفضائيات نفسها محتشدة طوال شهر رمضان ببرامج الطبخ ودعايات المأكل والمشرب. الصيام علاقة خاصة وحميمة بين الانسان وربه. ولاتقتصر على الجوع والعطش فقط , الجوع هو أول مراتب الروحانية والتصعد في ملكوت الله تليه مراتب متعددة , هذه المواجهة الكبرى بين الانسان وغرائزه لها جذور عريقة في تاريخ البشرية، هي شأن خاص ليس على الآخرين أن يدفعوا ثمنه, وعندما نصوم في الخارج فإن ساعات نهارنا تنساب بسهولة وسلاسة , و لانطلب من الآخرين معاملة خاصة، أو تقليصا للدوام او الامتناع عن الطعام في حضرتنا , هناك فقط تبدو علاقة متينة مستقلة , رغبة روحانية صادقة للاستغراق في العبادة . وتدريب لقوة الإرادة دون مماحكات أفعل ولاتفعل.. المفارقة لدينا بأن علاقتنا المرتبكة بغرائزنا لطالما وظفت كأداة لاضطهاد الآخرين , والتمتع بالحصول على سلطة تسوسهم أو توجههم بشكل فوقي من ناحية أخرى. على سبيل المثال آية (غض البصر) والتعفف على الرغم من كونها أمراً إلهياً صريحاً وواضحاً, إلا أنها لم تمنع البعض من التسلط على أجساد النساء لتقصي ماظهر منها ومابطن , وتتبع أسلوب حجابها وحجمه ولونه , على الرغم من أن جسد المرأة هو ملكية خاصة لها , والرجل مكلف ومأمور بغض البصر والتعفف. التسلط ومراقبة أجساد النساء وأرديتهن ليس سوى فشل وقصور عن حسم معركة الغرائز المتفلتة ,عندها يتم وضع اللوم على الطرف الأضعف الذي هو المرأة في حالة الحجاب , والأجنبي غير المسلم في حالة الصوم. حجاب المرأة ولونه وشكله إشكالية ذكورية، ومعظم من يقاربها يحاول أن يحسم علاقته المرتبكة مع غرائزه عبر المزيد من التسلط على المرأة وحضورها في الفضاء العام , رغم البدهية الانسانية البسيطة والتي يعلمها الجميع بأن الفضيلة هي خيار شخصي وليست تربصا شرسا، ومحاسبة مشبعة بالجلافة. هل يتم استبدال الشفافية والروحانية الدينية بالجو البوليسي المخابراتي لتتبع تفاصيل علاقة خاصة بين العبد وربه ؟ , وتجيير مراقبة أداء الطقوس الدينية بهدف الحصول على لذة التسلط ومتعة التحكم في الآخرين وإلغاء إرادتهم وخياراتهم الشخصية للفضيلة والمروءة ؟! يحاول البعض أن يحول الممارسات الروحانية بكل شفافيتها وسموها إلى علاقة سادية , ويخرجها عن مقاصدها الكبرى، ويحصرها في التجسس والتربص بالآخرين , وينقل معركته مع غرائزه من ميدانه الخاص إلى خلف أسوار الآخر..