حتى قبيل عشرين سنة من الآن ؛ كان الاطباء والجراحون يتعاملون مع القلب على اأنه مجرد مضخة عضلية للدم، وانه يتلقى اوامره من المخ ، ولكنهم ومع تزايد عمليات زراعة القلب بدأوا يشاهدون مالا يستطيعون إغفاله من ظواهر تتعلق بالتغيير الجذري في طباع وسلوكيات ونفسيات (المزروع لهم) ، فقرروا ان يدرسوا ذلك بشكل علمي موثق فلاحظوا العجب !!.. **** إنها قصص لايصدقها العقل لولا التوثيق ، فهذه قصة امرأة زرعت قلباً كان لفتاة رياضية ونباتية ، فإذا بحياتها تتبدل لتصبح محبة للرياضة والبحث عن الرشاقة، ويتغير نظام حياتها الى الاطعمة النباتية ، بينما كانت قبل الزراعة محبة للحوم والوجبات السريعة وتحب الكسل وتكره الرياضة !! وهذه قصة رجل زرع قلباً كان لامرأة ربة بيت ، وبعد العملية اصبح يحب الطبخ وغسل الصحون وتنظيف البيت وترتيبه، وكثرة الخروج للتسوق ، بينما كان قبل الزراعة يكره هذه الاعمال، ويفضل الكسل والاستلقاء امام التلفاز!! وقصة أخرى لرجل متدين عاقل حكيم في تصرفاته ويعيش وسط محيط عائلي سعيد ، فزرعَ له قلباً لشاب (مات منتحرا برصاصة في رأسه بسبب الاكتئاب) ، وبعد شهرين تغيرت حال المزروع له كثيرا فأصبح منطويا على نفسه، ويتحدث بلغة كفرية إلحادية ومن ثم انهى حياته بالانتحار بنفس طريقة الشاب !! **** ورغم أن هناك قصصاً موثقة لمن غيّر دينه ومعتقده الى معتقد صاحب القلب الاول ، الا اننا نجد في المقابل - ولاسباب غير معلومة لدى الباحثي- أن الزارعين هنا في المملكة لا يصيبهم هذا التغير الكبير رغم ان القلوب التي تزرع لهم قد تكون لاناس يدينون بديانات اخرى كالبوذية وغيرها ، اللهم اذا استثنينا بعض التغيرات النفسية والمزاجية كالقلق والاكتئاب والغضب والقسوة ، وتغير طبيعة الاكل ونوعيته خصوصا استخدام الاكل المبهر والحار ، وقيدت حالة تحدثت عن نفور الزوج (الزارع) من زوجته وطلاقه لها بعد حياة دامت فوق التسع سنوات .. **** ومن خلال بحثي ، حدثني شاب (زارع) من سنتين انه لا يحس بأي تغير ، وعندما تحدثت مع والدته وطلبت منها محاولة التركيز والتذكر أخبرتني بأنه اصبح اكثر عقلا وحكمة وهدوءا وتفوقا دراسيا ، وانه اصبح اجتماعيا كثير الاصدقاء بعد أن كان منطويا ، وانه اصبح متحدثا بارعا بعد أن كان يتلعثم ، وانه قد غير ناديه الذي يشجعه الى ناد آخر ، وانه اصبح يفضل الاكلات البحرية التي لم يكن يطيق رائحتها ، وانه قد صرف النظر عن الزواج من بنت عمه التي كان يحبها منذ الصغر ، وان كثيرا من هواياته الرياضية قد انصرف عنها !! ، وعندما واجهت الشاب بهذه المتغيرات ، قال لي (كل هذا صحيح يادكتورة !! ، ولكنني أعزو هذا الى ان تجربة المرض والاقتراب من حافة الموت وكمية البنج والعقاقير المكيفة للقلب المزروع ، كل هذا جعلني اراجع حساباتي وأوجد لنفسي بصيرة وقدرة على الاختيار فتغيرت شخصيتي ، انها التجربة القاسية ليس الا !!).. **** لعل صاحبنا محق وهو رأي كثير من المتخصصين ، ولكن هناك دراسات متخصصة تؤكد بأن القلوب هي مكان الوعي والذاكرة والعاطفة والطباع ومركز الاحساس والحب والكره وبأن القلوب هي الآمرة على العقول وليس العكس ، ويستدل لذلك ببقاء القلب نابضا رغم الموت الدماغي ، وبتخلق القلب في الجنين قبل العقل بفترة طويلة !!.. بل إن الدراسات اثبتت ان هناك علاقة عجيبة بين فهم الانسان واستيعابه وبين، عدد ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وحركة الرئتين والتنفس ، والعلماء يتحدثون الان عن ذاكرة الخلية ، وعن وجود عقل صغير داخل القلب يتكون من خلايا عصبية تعمل باستقلالية عن المخ ، وعن شبكة محورية ثنائية الاتجاه من الاعصاب المعقدة بين المخ والقلب لايعلم أسرارها الا الله !!.. ويبقى السؤال عن المضغة التي اخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها (اذا صلحت صلح الجسد كله) وماالمعنى العميق لقول الحق سبحانه ( أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها).. ويبقى للحديث تتمة ، وعلى دروب الخير نلتقي ونرتقي ...