في خضم الأحداث المتسارعة في المنطقة بدءا بالتطورات في سوريا وليبيا واليمن مرورا بأزمة الديون الامريكية صدم العالم مؤخرا باندلاع أحداث الشغب في بعض الاحياء في مدينة لندن وعدد من المدن الأخرى في انجلترا. و الحق انه ليس هناك سبب محدد لاندلاع هذه الأحداث، إلا أن بعض المحللين و السياسيين ارجعوا ذلك الى قتل رجل بريطاني في ظروف غامضة على ايدي رجال الشرطة والبعض الآخر ارجع ذلك الى التدابير التقشفية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة العجز في الميزانية. الجميع يعلم أن حق تنظيم المظاهرات و الاحتجاج السلمي و حرية التعبير مكفول في بريطانيا. و هذا ما حدث فعلا في بداية الأزمة حيث كانت هناك مظاهرة سلمية صغيرة عقب حادثة القتل - التي يتم التحقيق فيها الآن من قبل لجنة مستقلة - ولكن سرعان ما تبدل الحال و استغل بعض الانتهازيين هذه الفرصة وتمكنوا من تحويل المظاهرة السلمية الى أعمال شغب وسلب و نهب و حرق لعدد من الممتلكات العامة و الخاصة. وكان من الطبيعي أن تتدخل الشرطة بحزم حتى تعيد النظام وتحمي الأنفس و الممتلكات. و كما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون إن الشغب لم يكن تعبيرا عن السخط على السياسات بقدر ما كان بغرض السرقة و النهب بشكل لم تشهده بريطانيا منذ عقود. و لذلك بدأت الشرطة في مواجهة الأحداث في لندن و المدن الأخرى و أعطى رئيس الوزراء أوامره لمضاعفة اعداد قوات الشرطة في لندن العاصمة و استخدمت كاميرات المراقبة في التعرف على مثيري الشغب و اعتقالهم و تقديمهم للمحاكمة على مدار الساعة. و قد نجحت الشرطة كما تابعنا في احتواء الأزمة حيث عادت الحياة الى طبيعتها في الاحياء التي شهدت الاحداث. هذه الاحداث لم تثن الحكومة البريطانية على الاستمرار في القيام بمسؤولياتها المحلية و الدولية، فمحليا تجري الاستعدادات للألعاب الاوليمبية كما هي و بدون توقف و تواصل الجامعات و المعاهد البريطانية استعدادها لبداية العام الدراسي الجديد و استقبال عشرات الآلاف من الطلاب القادمين من المملكة العربية السعودية و غيرها كما لم يتأثر القطاع السياحي بهذه الاحداث. اما خارجيا فقد ادانت الحكومة البريطانية على لسان وزير خارجيتها قرار الحكومة الاسرائيلية بناء وحدات سكنية في الاراضي المحتلة و حذرت من الانعكاسات السلبية على عملية السلام، كما طالبت الحكومة بمزيد من الضغوط والعقوبات على النظام السوري واعادة فتح السفارة الليبية بلندن من قبل اعضاء المجلس الانتقالي. لقد حرصت على متابعة تغطية الصحف السعودية للاحداث في لندن على مدى الايام القليلة الماضية، وأود ان أشير هنا الى أن التغطية اتسمت بالموضوعية و الحياد. حيث ميزت الصحف السعودية بين احتجاجات الربيع العربي و احداث لندن. فقد ميزت بين الاحتجاجات بدافع الحرية وضمان مستقبل افضل و بين اعمال السرقة والنهب . وانه لظلم كبير اجراء أية مقارنة. لقد اظهرت هذه الاحداث افضل ما يميز المملكة المتحدة، فهي لا تزال تقف اليوم ملتزمة بمبادئ الحرية و سيادة القانون و احترام كرامة و حقوق الانسان. و يكفي هنا الاحاطة بأن من يحاكمون الآن من مثيري الشغب يحاكمون على السرقة و النهب و ليس على الاحتجاجات. فنحن مجتمع متسامح ومنفتح على العالم ومتعدد الاعراق والثقافات. احب ان اؤكد ان الاعمال قد عادت الى سابق عهدها، و ان الحكومة قد اسست خطوطا ساخنة على مدار الساعة لمساعدة الشركات و الممتلكات المتضررة من اعمال الشغب. كما انها اصدرت تعليماتها الى شركات التأمين للإسراع في عملية صرف التعويضات حتى يتمكن رجال الاعمال من مزاولة اعمالهم. كما قد تعهدت الحكومة بصرف تعويضات للأفراد و اصحاب الممتلكات غير المؤمنة و خصصت مبلغ 20 مليون جنيه استرليني على سبيل التعويض لاصحاب المحلات التجارية لتجهيز محلاتهم بأسرع وقت ممكن. اعلم ان الكثير من السعوديين قد عادوا من لندن لقضاء شهر رمضان في ربوع المملكة، و ان بعضهم لا يزال هناك لبقية الصيف. كما انني اعلم ان العام الدراسي سيبدأ قريبا، وان الطلاب السعوديين الذين يدرسون في بريطانيا يستعدون الآن للعودة الى دراستهم و جامعاتهم هناك، و قريبا سيلحق بهم عدد من الطلاب الجدد، واحب هنا ان اطمئن الجميع ان الحياة في لندن و خارجها قد عادت الى طبيعتها و انه ليس هناك ما يدعو للقلق. فنحن نرحب بعودة الطلاب القدامى وقدوم الطلاب الجدد، واؤكد ان قسم التأشيرات يقوم باصدار التأشيرات بكل سهولة و سرعة كالمعتاد. فالمملكة المتحدة ستظل دائما ليس فقط الوجهة المفضلة ولكن ايضا البيت الثاني للسعوديين. * القائم بالاعمال البريطاني