من الأمور التي شغلت الباحثين من الأطباء والعلماء في مجالات شتى هو موضوع الروح. لقد كان هذا الأمر محل اهتمام وفضول كثير من العلماء في الطب والفلسفة والاحياء والفيزياء على مر العصور. وقد كتب الأطباء والفلاسفة اليونانيون عن هذا الأمر بصورة موسعة معبرين عن حيرتهم أزاء هذا الأمر الذي لم يستطيعوا معرفة كنهه..! لقد كان الأطباء والعلماء والفلاسفة اليونانيون يعتقدون أن الروح هي أمر مادي يُمكن الإحساس به، وحاولوا وصف كيفية خروج الروح من جسد الإنسان، وتضاربت أقوالهم، وتجاربهم في هذا المجال، حيث لم يستطيوا التوصل إلى صيغة موحدة لكيفية خروج الروح من بدن الشخص الذي يتوفى. واشترك مع الأطباء الفلاسفة وحاولوا مراقبة الأشخاص الذين يحتضرون لعلهم يرون شيئا يدل على خروح الروح من البدن، ولكن جميع الملاحظات باءت بالفشل، فقد استطاعوا مراقبة الشخص الذي يحتضر، ولكنهم لم يروا شيئا آخر، سوى أن الشخص الذي يحتضر انتقل إلى مرحلة أخرى هي الموت دون أن يلاحظوا أي تغيرات تحدث خارج بدن المتوفى، وكذلك لم يلاحظوا أي شيء مثير للريبة سوى توقف قلب المريض ووفاته دون أدنى إشارة إلى خروج الروح أو علامة على أن الروح صعدت إلى السماء. ظل هذا الموضوع، موضوع الروح يشغل بال العلماء والأطباء والفلاسفة وكذلك بعد المسيحية انشغل رجال الكهنوت بهذا الأمر وشاركوا الأطباء والعلماء حيرتهم في كيفية خروح الروح من بدن الشخص الذي يتوفى، ولكن لم يستطيعوا أن يخرجوا بأي نتائج إيجابية حول هذا الأمر. ثم بدأ التشوس وخلط الخيال بالواقع لدى البعض بحكم صعوبة اللحظة، فبدأ بعض رجال الكهنوت المسيحي بالتخبط والادلاء بآراء غير واقعية عن خروج الروح، ولكنهم اصطدموا مع الأطباء والعلماء في هذه المساءلة مما جعل رجال الكهنوت المسيحي يختلفون مع الأطباء والعلماء ونظراً لسطوة رجال الكهنوت المسيحي فإنهم أساؤوا إلى الأطباء والعلماء واتهموهم بصفات سلبية وصلت أحياناً إلى درجة تسفيه الطب والأطباء وأنهم خارجون عن الدين، مما اضطر الأطباء إلى التوقف عن معارضة رجال الكهنوت، وانسحبوا من هذا المجال وتركوا الأمر لهطرقة بعض رجال الكهنوت الذين بالغوا في موضوع خروج الروح من البدن، خاصة وأن الأمور تداخلت فيه المصالح الشخصية، وأضفى بعض رجال الدين المسيحي على أنفسهم معرفة كيفية خروح الروح من البدن، وأنهم يستطيعون معرفة عمّا إذا كانت الروح ستخرج من البدن أم لا؟ ودخلوا متاهات من الغلط والخلط بين الأمور، حتى صاروا يدّعون بأنهم على استطاعة من معرفة الروح الشريرة من الروح الخيرة عند ملاحظة المحتضر، وهذا أضفى عليهم نوعا من القداسة المُبالغ فيها، وأصبح القساوسة وبعض رجال الكهنوت مقربين من الملوك والقياصرة، ويستدعونهم عند احتضار الملوك والقياصرة لمعرفة هل خرجت الروح؟ وهل الروح شريرة أم خيّرة، واستغل بعض كبار رجال الدين المسيحي قربهم من الملوك والقياصرة واستبدوا بالعامة من الناس، حتى وصل الأمر إلى ما هو معروف في العصور الوسطى من سطوة رجال الكهنوت وبيعهم صكوك الغفران..! وهذه حقيقة تاريخية لا تخفى على أحد..! بعد عصر النهضة والانقلاب على الكنيسة عاد الأمر إلى العلماء والأطباء، ليُعيدوا البحث في هذا الموضوع: موضوع الروح وخروجها من بدن المتوفى. ونظراً للمضايقات التي تلقاها العلماء والأطباء من رجال الكهنوت في عصور الاستبداد الكنسي وسطوة الكنيسة، فإن العلماء والأطباء من رجال الكهنوت في عصور الاستبداد الكنسي وسطوة الكنيسة، فإن العلماء والأطباء سفهوا آراء رجال الكهنوت وكالوا لهم الصاع صاعين كما يقول المثل الشعبي، حيث اتهموا القساوسة ورجال الكنيسة من استغلال مكانتهم الدينية والعبث بعقول عامة الناس مستغلين في ذلك مكانتهم الدينية، ووصفوا آراء رجال الكنيسة في موضوع الروح وخروجها من البدن بأنها ضرب من الخيال والشعوذة والهطرقة التي كان القساوسة يتهمون بها الأطباء إبان سطوتهم وسيطرتهم على حياة الناس..! نعود الآن إلى العصر الحديث، فهذا الأمر لم يُترك، ولكن أخذ الأمر منحى علميا وطبيا، حسب الأعراف والتقاليد العلمية، ولكن كانت النتيجة أيضاً غير مشجعة..! لكن ما استطاع الأطباء الحصول عليه، هو وصف بعض المرضى الذين مروا بحالات طبية حرجة فقدوا فيها وعيهم واقتربوا من الموت، ثم عادوا مرة أخرى إلى الحياة، وسجلوا معهم تجاربهم في الأوقات التي كان المرضى في حالة إغماء، وكان هناك اعتقاد بأنهم لن يعودوا للحياة مرة أخرى، ولكنهم عادوا بعون الله ومشيئته..! يقول دكتور فيليم فان لوميل، وهو طبيب قلب هولندي، بأنه طلب من مرضاه الذين وصلوا إلى حافة الموت، وكان مغمى عليهم لفترة من الوقت أن يروا كيف كانت مشاعرهم أثناء نوبات الإغماء؟ ويقول بأن عشرة مرضى كانوا أثناء إغمائهم يشعرون بأنهم يطفون خارج أجسادهم، أي أن المريض كان يرى نفسه من الخارج..! وهذه التجربة كانت لعشرة مرضى وليس مريضا واحدا..!! يقول أستاذ جامعي بلجيكي بأنه أُصيب بحادث، وبقي مغمى عليه لفترة من الأيام، ويروي بأنه أثناء غيبوبته كان يشعر بأنه كان في نفق مُظلم، وأنه في نهاية النفق تمزق جلده، وفي تلك الفترة كان يتذكر طفولته، ودعا الله أن ينقذه من هذا الوضع، استجاب الله لدعائه، وشُفي، فاستقال من عمله كأستاذ جامعي وعمل في سلك الكهنوت وأصبح قسيساً. وتقول زوجته بأن شخصيته تغيرت تماماً بعد هذا الحادث، وأن زوجها الذي تزوجته منذ عشرين عاماً مات في باريس..!! إنه الآن شخص آخر.. يترك عمله كأستاذ فنون في الجامعة ويُصبح قساً..؟ وتقول الدكتورة كاثرين لاسن، وهي طبيبة نفسية أمريكية، بأنها عاصرت حريقا كبيرا، احترق فيه أشخاص كثيرون، وأن الأشخاص الذين أغمي عليهم، كانوا يشعرون بأنهم يطفون خارج أجسامهم، ويراقبون أجسادهم من خارج الجسد..! هذه هي تجارب من الغرب. وهي تجارب تستحق التوقف، وشخصياً لم أسمع عن أشخاص من الشرق أو من المسلمين يتحدث عن ما شعر به أثناء فترة إغمائه! إن الروح من أمر الله لا يستطيع العلم مهما بلغ من تقدم أن يصل إلى كنه هذا السر الإلهي العظيم. ثمة أمر وهو أن الإنسان في حالات مُعينة يمر بحالات نفسية، قد لا تكون صحيحة، فكثير من الأشخاص الذين يمرون بحالات نفسية صعبة قد يسمعون أصواتاً غير حقيقية يُطلق عليها هلاوس أو ربما يرى أشياء غير موجودة تُعرف بالهلاوس البصرية، وهذا أمر معروف في الطب النفسي، فكون الأشخاص الذين ذكروا حكاياتهم ربما يكونون يُعانون من هذه الهلاوس ربما..! ونظل نقول بأن الروح من أمر الله، لا أحد يعرف شيئا عن هذا الأمر، ومهما تقدم العلم فإن هذا الأمر يظل في طي الغيب ويجب أن لا نستجيب لبعض الشعوذات والخزعبلات التي بدأت تظهر في بعض الدول ومنها دول عربية وإسلامية عن الأرواح ومعرفة كنه الروح الحكم على هذه الروح بالخير والشر.. كل هذا طمعاً وراء أمور دنيوية، لا تُرضي الله ولا رسوله وهي ليست من الدين. يجب أن نأخذ أمورنا الدنيا من العلماء الموثوق بهم، بعيداً عن المشعوذين حتى ولو كانوا أطباء في تخصصات مختلفة أو أطباء نفسيين أو علماء في أي تخصص، فما يحدث للجسد بعد خروج الروح هو شيء من أسرار الله سبحانه وتعالى، أما اطلاق الصفات وتعليل الأمور بأن جسد فلان صار كذا لأنه كان كذا.. فهذه أمور يجب عدم الأخذ بها من العلماء المتفقهين في الدين وليس من طبيب ربما يكون يُعاني من اضطرابات نفسية ويُفسر الأمور بشكل يقصد فيه الخير للناس لكن يقع في الخطأ دون أن يعلم.