الحمام الذي اعتاد على أن يعتمر لله كل يوم.. لم يحلق حول المعتمرين بحثاً عن حبوب متناثرة يلتقطها بمنقاره الذي التهم التسبيح أكثر من التهامه للطعام.. بل إنه هنا.. يجرب أن يلتقط برجليه البياض الممتد من إحرام المعتمر.. ليمزجه برائحة الكعبة ويزينه بصوت المآذن.. حتى يغتسل به في أحواض ماء زمزم.. فينقيه، ويكسبه معنى السمو الروحي الذي يعانق تحليق الحمام دون تكلف.. الحمام هنا.. لا يقترب من حبوب المعتمرين، لكنه يصر أن يعانقهم بعد رحلة عناء طويلة تكبدوها ليصلوا إلى البيت العتيق.. وهو يعلم جيداً .. كيف هو شكل اللقاء بعد الغياب.. ويخبر جيداً كيف يصل الحنين إلى الإيمان فيبدد كل السواد الذي تراكم عبر وقت طويل.. يفرد جناحية، يحلق ثم يعود سريعاً يحط على أرض الحرم عند أقدام المعتمرين.. ليذكرهم برائحة الحجر الأسود، ومعنى أن تكون عابداً.. الحمام يعتمر لكنه يعتمر في قلوب الزائرين فيما يجرب هنا المعتمر أن يتأمل حماما رفرف حول "البياض" يجرب أن يشم فيه "سيرة الرسول" ويرمي بخواطره الشجية في عينيه الصغيرتين التي تحدق كما تحدق بك "حورية الجنة"؛ دون أن يشعر يسحب يده إلى كيس الحبوب.. ثم يرميها عالياً.. يبتسم.. لأنه يكتشف بأن الحمام ينقر بمنقاره حكايات الضيوف وليس الحبوب.