من غير الواقعي أن يكون هناك مجتمع ما يمتلك جميع الحلول، ويعيش حياة بلا مشكلات سببتها ثقافته التي اختارها لنفسه وجعلها واجهته التي يتعرف من خلالها على الآخرين، ويسمح لهم أن يعرفوه عن طريقها. وذلك لأن الثقافة هي صناعة بشر غالبًا مايقصرون أو كثيرًا ما يقعون في خطأ تتراوح مستوياته وفق طبيعة فاعله، وظرفه وعقليته. لهذا، فحينما يعترف مجموعة من الناس أنهم يعانون من مشكلات ويتعرفون عليها ثم يبحثون لها عن حلول واقعية لمسوها لدى مجموعات أخرى أو ثقافات مختلفة عن ثقافتهم؛ فهم بذلك ينتقلون عبر مستوى متحرر ومتجرّد من النقص المعرفي والسلوكي إلى بيئة أكثر صحيّة، وأكثر إنتاجية تفيد الفرد والمجتمع. وقد كان برنامج خواطر بقيادة المبدع الأستاذ أحمد الشقيري وسيلة لتفعيل هذه الفكرة التي تدعم التطوير الثقافي عبر معطيات إنسانية واقعية. ومن يتتبع مراحل هذا البرنامج سيلاحظ أن هناك مواسم احتفالية بتاريخ العرب والمسلمين والإبداع المعرفي الذي كان يعيشه عالمنا وفي الوقت نفسه، هناك مواسم أخرى كشفت للمشاهد - بصدق - عن بعض المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية مع اقتراح نماذج يمكن الاستفادة منها حول هذه الأمور سواء في مجتمع معين، أو من ثقافات مختلفة. وقد نجح البرنامج في انتهاج أسلوب واقعي وواع في الطرح عبر الكشف عن النقص والعيب واقتراح الحل لمن أراد ذلك. والجدير ذكره أن هذا الكشف لن يكون سهلًا على جميع أفراد المجتمع العربي الذي اعتاد بعض أفراده على مجاملة واقعهم الثقافي، ومداهنة ذواتهم قبل غيرهم. فعلى سبيل المثال، قد يرى البعض أن الاعتراف بالنقص في أمر ما شيء مزعج قد يعني نقصًا شخصيًا في الفرد أو في الثقافة. فإذا كنا نعلم أنه لا كمال على الأرض إلا أننا بشكل عام نقسو كثيرًا على أنفسنا، وننشغل كثيرًا في استدعاء صورة مثالية زاهية نلاحقها في خيالنا، ونهنأ برسمها وزخرفتها عن رؤية واقعنا الذي قد يكون بعيدًا كثيرًا عن هذه الصورة البهيجة. لذلك، فإن محاولة إيقاظ هذه الفئة من أحلامها أمر ليس سهلًا، بل قد يكون مؤذيًا في بعض الحالات لأن الحقيقة تتطلب قدرة معرفية على تلمس الواقع وهذا ليس عملا ميسرًا للجميع، أما الاعتراف بالأخطاء وتفهم طبيعتها فهذه مرحلة عميقة من التفكير والتحليل تحتاج إلى قدرات مميزة لكي نصل إلى مرحلة اختيار الحلول المناسبة والتي لا يتم انتقاؤها على أساس ميول شخصية، أو أيديولوجية فردية مفروضة على الجماعة من باب المحاباة أو المجاملة أو حتى الجهل. والحقيقة أن المتابع للإعلام الغربي سيجد أنه يعج ببرامج متنوعة خصوصًا في فترة النهار، وهي برامج تتحدث عن مشكلات اجتماعية وثقافية متنوّعة، وتغور في دهاليز بعض المشكلات بشكل رأسي حتى يفهم المشاهد مدى جدّية الطرح وأهمية المشكلة. وقد لمع في هذا المجال أسماء كثيرة بعضهم بنى إمبراطورية إعلامية له بعد جهد كبير في تشجيع المشاهدين واهتمامهم بمثل هذه الطروحات الشفافة. وإذا كان إعلامنا العربي يمارس النقل الممل لكثير من البرامج الأجنبية فإنه بحاجة إلى الفهم الحقيقي لمفهوم الإعلام الواقعي خصوصا ذلك الذي يتقاطع مع ثقافة المجتمع،؛ بحيث تتطرق بعض البرامج لأمور اجتماعية وثقافية تبرز الوجه الكامل للموضوع. أما تقديم بعض العناصر وتغطية بعضها، فهذا الحل يجعل المشاهد يخرج بضمير مثقل وأمل مكلوم. إننا بحاجة إلى مرحلة من الوعي الناضج الذي نصل فيه إلى القناعة بأن الاعتراف بأخطاء مجتمعاتنا العربية التي نمارسها بشكل يومي على المستوى الثقافي والاجتماعي ليس نقصًا فينا، وليس عيبًا في ذواتنا، وليس قدحًا في هويتنا. وعلينا دائمًا أن ننفتح على العالم للبحث عن حلول معقولة من ثقافات مختلفة بما يزيد ثقافتنا نموًا وبهاءً عبر ترابطها وتمازجها مع غيرها من الثقافات الإنسانية؛ وهي ثقافات - بطبيعتها - لايمكن فصلها عن بعضها البعض مهما حاولت بعض المجموعات وضع فروقات موحشة، وذلك لأن الضمير الجمْعي الإنساني يبقى متشابهًا بين الناس. ولهذا، فهناك خطوط عريضة للصح والخطأ يمكن التعرّف عليها بسهولة في جميع الثقافات. وقد قال الفيلسوف الشرقي "كونفشيوس": «الحياة سهلة للغاية، ولكننا مصرّون أن نجعلها صعبة للغاية»..